قد يبدو العنوان غير مألوف بالنسبة للمتخصصين بالقانون، باعتبار أن مكافحة الفساد يتم عبر الآليات التي رسمتها القوانين ذات العلاقة، وأن المحكمة الاتحادية تمارس عملها وفق ما رسمه لها الدستور والقانون. لكن ما طالعناه من أحكام صادرة من المحكمة، تشير الى قيامها بدور فاعل ومهم في مكافحة فساد من نوع مختلف عن الفساد المعروف، فساد يتستر بغطاء القوانين، أي انه سرقة بالقانون، وليس خلافا له. المحكمة، قامت بدور كبير، عبر تعطيل النصوص التي تضمنتها القوانين التي تسمح وتساعد بعض الجهات الحكومية على ممارسة الفساد المالي والإداري، دون ان يتجرأ أحد على محاسبتها، خصوصا انها تمارس عملها بموجب قانون نافذ! المحكمة جاءت لتقرر عدم دستورية تلك النصوص التي تشرعن الفساد وتؤسس لعمليات فساد من نوع مختلف. فمثلا، نقرأ: قررت المحكمة الاتحادية العليا عدم دستورية احدى المواد الواردة في قانون الموازنة الاتحادية للعام الحالي حيث يكلف تطبيقها اعباء مالية على موازنة 2018 بحدود (26) مليار دينار. وفي خبر آخر: قضت المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية شق في إحدى فقرات قانون الموازنة للعام 2018، من شأنها عرقلة تنفيذ المشاريع الاستثمارية. وهذا يعني ان المحكمة الاتحادية، تقوم بدور حيوي في مسألة غاية في الأهمية وهي الحفاظ على المال العام، هذا الدور الذي يفترض ان تقوم به جهات أخرى، لكن المشكلة ان تلك الجهات لا يمكنها القيام بشيء حيال وجود مخطط يهدف الى هدر وسرقة المال العام، تحت غطاء قانوني. علما ان السبب الأساس الذي تسند اليه المحكمة في حكمها بعدم دستورية تلك المواد القانونية، هو المبدأ الذي سارت عليه المحكمة قبل عدة سنين والمتمثل بعدم أحقية البرلمان في استحداث أبواب صرف جديدة لم ينص عليها مشروع قانون الموازنة المرسل من قبل الحكومة، على اعتبار ان الحكومة هي الأدرى بالكيفية التي يتم من خلالها صرف الأموال وتحديد أوجه الانفاق العام للدولة. فلو لم تحكم المحكمة الاتحادية بهذا الأمر، وتسمح للبرلمان بمناقلة أبواب وفصول الموازنة وتحديد أوجه الصرف والانفاق بعيدا عن الحكومة، لما استطاعت المحكمة ان تستند الى سبب دستوري في حكمها، خصوصا وان نصوص الدستور ذات الصلة، تحتمل اكثر من وجه. ان جهود المحكمة الاتحادية في عرقلة والحد من تمدد الفساد المالي ليمارس تحت عباءة القانون، ينبغي ان يكون حافزا للجهات الأخرى كي تقوم بدور أكبر وان تقف الى جانب المحكمة في إيقاف البرلمان عند حد معين، حيث ان استمراره في وضع أبواب للصرف لا أهمية لها، كتخصيص مبالغ طائلة الى هيأة لا اثر لها في ارض الواقع برغم انها تشكلت لغرض دعم حقوق الانسان، في وقت كان من المفترض ان يتم تخصيص تلك المبالغ الى شبكة الحماية الاجتماعية او لتوفير فرص عمل وتشغيل العاطلين وتوفير الخدمات.
سلام مكي