متبعة الصباح الجديد:
عندما يجتمع الفقر والجهل والظلم، وأفكار التخلف والشعوذة، ففي الأغلب، تكون المرأة والطفل الضحايا الأكثر تعرضا، لهذه الظروف اللا إنسانية.
المخرجة البريطانية الزامبية الأصل رونغانو نيوني، تقتحم هذه المساحة من خلال فيلم «أنا لست ساحرة» والذي تجري أحداثه في زامبيا، ويدور بشأن الطفلة «شولا» (الممثلة مارغريت مولوبوا)، وعمرها ثمان سنوات. حظها العاثر يضعها أمام امرأة تنقل على رأسها «تنكة» من الماء، تتعثر وتنسكب المياه على الأرض، لتقوم هذه المرأة باتهام الفتاة بأنها ساحرة، فإنها بنظراتها استطاعت أن تسقط تنكة الماء عن رأسها، لتبدأ رحلة معاناة واستغلال «شولا» بعد أن تنتشر سمعتها كساحرة في القرية.
ينفتح الفيلم على حافلة تنقل السياح تتصدرهم سيدة بيضاء، جاءوا إلى قرية نائية، للفرجة على مجموعة من النساء المحتجزات داخل مخيم بوصفهن «الساحرات»، وهن من العجائز اللواتي تم ربطهن بحبال مطاطية بيضاء، موصولة بقطع خشبية ضخمة، تمنعهن من «الطيران»، أو الهرب، وتقيّد المسافة التي يمكن لهنّ التحرك فيها، وجوههن مطلية بطلاء أبيض، يجبرن على أن يقمن بحركات وأصوات لا معنى لها، سوى خلق أجواء من الغرابة أمام السياح، لضمان تدفقهم على هذه المنطقة لصالح متنفذين.
يتم إصدار الحكم على «شولا» بعد أن تقدمت المرأة بالشكوى إلى المركز الأمني، وتستمع لها المحققة بلا مبالاة، ثم تتعالى الأصوات خارج مكتب التحقيق، ويتقدم رجل ليدلي بشهادته ضد «شولا» كيف أنها جاءت إليه وهو يحرث الحقل، وتسببت بقطع يده، وعندما تقول له المحققة إن يدك سليمة، يرد عليها ان ذلك حصل بالحلم في أثناء نومه!
في هذه الاجواء من التخلف والجهل يظهر من يستغل هذه الظروف، ويوظفها لمصالحه الخاصة، وهنا نتعرف على شخصية «باندا»، الموظف ورجل الحكومة، والذي يعيش مع سيدة يبتزها، اختصها لنفسه بعد أن جرى اتهامها بالسحر، وهي صغيرة، ويجد في «شولا» مشروعا استثماريا يكسب منه، ويستغلها للترويج لأعماله، والمتاجرة بالبيض «السحري»، بوصفه بيضا مختلفا، والذي يروج له في محطات التلفزة، ليبين قدرات الفتاة الخارقة، سواء بإنزال المطر، أو قدرتها على معرفة اللصوص.
يستمر الفيلم بعرض الأجواء البائسة، بأسلوب الكوميديا السوداء، والأنماط والأجواء السريالية، واستغلال المرأة بأبشع الصور، من خلال العمل الشاق في المزارع البعيدة، في ظروف صعبة جدا، وما يرافق ذلك من جهل المجتمع، وغياب مؤسسات الدولة، والتواطؤ لاستغلال كل هذه الظروف، وبنحو خاص من «باندا».
وتموت «شولا»، وهي تتمنى لو أنها رفضت واقعها، حتى لو تحولت إلى عنزة، كما أوهموها إن تمردت، وبموتها، يتساقط المطر، وينشدن لها النساء الساحرات، ليظهرن في المشهد الأخير، وقد تحررن من ذلك الحبل المطاطي الأبيض، الذي يمثل عبودية وقهر واستغلال النساء.
تقدم المخرجة الزامبية نيوني، عملا جريئا، بعيدا عن تصدير الشكل الفلكلوري، او المتاجرة بالتقاليد والقيم في بلدها، تطرح فيه بعض أشكال القسوة، الظلم الاجتماعي والحكومي الواقع على المرأة الأفريقية بنحو عام، إلى درجة استغلال السحر والأساطير للهيمنة على المرأة وخداع المجتمع، لحساب فئة مستفيدة من هذا التخلف والجهل الذي ما يزال يسيطر على العقل الجمعي هناك. وذلك في إطار عمل متماسك، وإن كانت فيه هناك بعض التحولات المفاجئة.
وما يميز الفيلم هو ذلك الأداء العفوي للممثلين، وغالبيتهم يقفون لأول مرة أمام الكاميرا، وخاصة مارجريت مولوبوا بدور «شولا»، والموسيقى التي جاءت مضطربة كما هي حياة «شولا « بتحولاتها، والتصوير الذي عكس البيئة التي تجري بها الأحداث، وتدور فيها الشخصيات، وأعطى المكان مسحة واقعية، للتأثير بشكل أكبر على المتلقي.