شاعر عراقي مواليد الفلوجة 1956، يقود تيار جماعة اختلاف في الشعر العربي الحديث، حاصل على بكالوريوس علوم سياسية جامعة بغداد 1980، موظف دبلوماسي في وزارة الخارجية سابقا واستقال من الخدمة عام 1991،عمل مسؤولا للعديد من الصفحات الثقافية في الصحف العراقية.
من إصداراته الشعرية/ القمر الغائب 1989، قبعة الأفعى 2000، لاهوية لباب 2005، مدان في مدن 2011، روزالين 2012، غرانيق الأمس 2014، مرايا آدم 2016، أرتاب من وحشة الخطى، وله العديد من الدراسات المنشورة في الأدب ونقد الأدب، كما قدّم للعديد من الشعراء العراقيين والعرب.
حاورته: سهى الطائي
يسألونك عن البدايات وابتدئ من حيث انتهيت في «وحشة الخطى».. فهل وجدت في خطى الشعر وحشة؟
_البدايات دائما تنتمي إلى الفطرة في تكوينها الأول ومساقة بالضرورة إلى المؤثرات المحيطية الطبيعية والاجتماعية الأكثر مساسا وتأثيرا في نفسية المبتدئ الوالج طريقا مجهولا في خطواته الأولى.. هاجسه التوجس والخوف ومحفزه المغامرة والاكتشاف . ومابين الخوف والمغامرة هناك توق خفي بأن يكون المرء على شاكلة ومنزلة مبدع كبير تأثره به كقدوة وأعجب به كمثال، أو ربما على غير ما كانه الأخر في تكوين مختلف لشخصية مغايرة جديدة تتمرّد على الشائع وترفض التقليد والنسخ ..فأكثر من جذب اهتمامي له كقارئ بسيط واستهلاكي حينها هو الشعر المحكي العراقي والشعر النبطي وقبله جذبتني الموسيقى التقليدية والمناطقية التي تأثرت بها وانتميت لها روحا وهاجسا.. فالموسيقى هي من دفعتني إلى حب الشعر والتقرّب إليه بمعرفيّة الفهم؛ واستوقفتني كثيرا أول الأمر تجربة الشاعر الكبير شاكر السماوي، هذا الشاعر المتفرّد بين أقرانه والمتميز بخطابه وخلّقه الجمّ. فوجتني قارئا نهِما لتجارب شعرية كثيرة محلية وعربية ومن ثم عالمية في تجارب الكلاسيكيون الروس وأهمهم ( بوشكين )، وتطورت هذه القراءات بمرور السنوات لألتقي المتنبي والحلاج وديك الجن وأبي تمام وعقدت معهم صلات قرائية لاتنفصم.. أدركت تماما بأن أولى مسلمات تكوين الشاعر هما ( الفطرة والفكرة ) الفطرة حيث الموهبة والفكرة حيث الثقافة وبخلافهما لا شعرية هناك .
أول الصعوبات التي واجهتني في اهتماماتي القرائيّة هي عائليّة محضة فالعائلة لا تريد لولدها إلا أن يكون نابغا في دراسته متميزا في النجاح والتحصيل الدراسي، ولكن برغم ذلك لم يثنِ عزيمتي عن متابعة الشعر شيء وبعد دخولي الجامعة في كلية العلوم السياسية سنحت لي الفرصة وتوسعت علاقاتي ولقاءاتي بالشعراء والأدباء في المقاهي والنوادي الأدبية ببغداد ولم أكن أنشر في الصحافة الأدبية نهائيا فالنشر كان صعبا آنذاك ومحصورا بأسماء معروفة فهو محكوم بظروف سياسية واجتماعية وعلاقات شخصيّة، وربما لم تكن تجربتي ناضجة حينها إلى أن خرجت من بين يديّ قصيدة عمودية قيل بانها قصيدة قوية جدا نشرتها جريدة الجمهورية العراقية نهاية سبعينيات القرن الماضي فصارت القصيدة العمودية لازمتي لاحقا شاعرا وناشرا لها وعرفت بها بالوسط الشعري العراقي كأحد شعرائها المعروفين إلى نهاية التسعينيات حيث تحولت إلى حداثة الشعر تماما.
إنني رغم كتابتي لقصيدة العمود ومنجزي الكبير فيها لم أصدر أي مجموعة شعريّة عموديّة برغم إلحاح الكثيرين عليّ.. وأود هنا أن أنوّه إلى أنني كان لي العديد من النصوص الحداثية المرافقة لكل سنواتي.. احتفظت بها طويلا ونشرت بعضها في دواويني الحداثية الصادرة بعد عام 2000 ببغداد ودمشق حصرا وآخرها ديواني وحشة الخطى الذي صدر عن دار المرايا بالعراق 2018.
قلتَ: الشعر يفرق المرء عن زوجته، و الأصدقاء والشعراء أيضا، ماذا فعل الشعر بالحداد ..هل فرقك عن محبيك ؟؟
_ مقدار الموهبة والوعي الشعري والثقافي السبب الأوّل الذي يقود إلى الحسد والتباغض والغيرة بين الشعراء وبين المثقفين عموما والتي تقود إلى القطيعة أحيانا ويقود بالمنحى ذاته إلى الخلاف والتباعد بين الزوج المبدع والزوجة غير المبدعة والعكس صحيح بل وحتى بين الأسرة الواحدة أيضا.
فالشاعر الذي لم يحقق ذاته الشعرية في منجز استثنائي مميز يعيش الفشل المحبط لروحه فيحقد على الشاعر الناجح والمتميز، فالشعر فتنة في حقيقته العميقة ذات حدّين .. فهو بقدر ما ينعش النفوس بفتنته وحب الناس له بقدر ما يدفع شيطانه بأعلى أباليسه ليأكل قلب الشاعر الفاشل ويملؤه بالغيظ والنقمة والعداء والحسد والغيرة من زملائه الشعراء المائزين، وربما لا أبالغ إن قلت: غيرة الشاعر تفوق غيرة النساء آلاف المرات تلك التي تقود إلى التغييب والقتل.
هناك مثلٌ عراقي يقول: ( المجدّي ما يحب أبو عليجة ) بلى..لقد أبعد الشعر عني بعض أصدقائي الشعراء لأسباب غيرة ( ذات الكار ) ربما لأنني تميّزت عليهم وربما لأسباب شخصية تخصّهم لكنّني أتمنى لهم النجاح التوفيق.. فالشعر مشروع فردي بحت ولا دليل للشاعر إلا نصّه ومنجزه.
حين ينال المرء لقب «شاعر» فهل تعتقد أن هذا يغنيه عن بقية الصفات الملاصقة للاسم ؟؟
_لا شيء يفوق لقب الشاعر لا الاسم الشخصي ولا العلمي ولا العشائري وهلم جرا.. ولا يفوق لقب الشاعر إلا لقب الرسول والنبي بتقديري.. فهو ملاك الله في الأرض ، ككائن استثنائي أخصّه الله من دون غيره برسالة الشعر بين الناس ووهبه من روحه موهبة الإبداع الابتكار والخلق لهذا هو مغيور ومحسود ومنكود دائما.
والشاعر خالق أيضا لا تقف حدود موهبته إلا دون قدرة الله تعالى في الخلق فإن كان صالحا وجميلا بين الخلق أصلح وأفلح بحكمة القول وإن كان طالحا أفسد بقبح القول، وهنا لابد لنا أن نؤمن بأن الجمال لا يخرج إلا من الجميل والروح الجميلة ..ولا خير بشعر لا يشابه قائله من ألفه إلى يائه وبكل شيء .
الشاعر الحقيقي تخصيصا هو ذلك المبدع الذي يكتب القصيدة بسماتها الاستثنائية وشروطها المتكاملة في اللغة والبناء والصورة والتكثيف وجماليات المعنى، لا الطقطوقة أو الأغنية وما يشابه ذلك، فهي تقوم على الفكرة أولا والتي تلخّص وحدة الموضوع بجملتها الكبيرة .
هل خسرت شيئا بالشعر وندمت عليه ؟؟
_على صعيد الشعر ..نعم: لقد احرقت مخطوطة شعرية عنوانها « لقاءات فوق موقد يحترق « كتبتها بالجبهة في الحرب العراقية الإيرانية وندمتُ عليها كثيرا، كما أعدمت ديواناً لي في الشعر العمودي حرقاً كان سيصدر عن اتحاد الكتّاب العرب عام 2008 ، والكثير من النصوص قد ضاعت مني أو سرقت لا أعرف وهي كثيرة جدا.
الشاعر برأيي في خسرانات دائمة ومتلاحقة فهو في صراع مزدوج أزلي مع ذاته من جهة ومع الواقع الذي يعيشه من جهة أخرى فالذي يظن أن الشاعر سعيد والشعر حالة زهو مخطيء تماما فكثير من الشعراء خسروا أرواحهم أو عائلاتهم وتشردوا في مدن الضياع وشوارع الضياع والفقر والبؤس والحرمان بسبب الشعر، والمترفون منهم هم شعراء السلطة والانتهازيين.. فهناك فرق هائل بين الحياة التي عاشها عروة بن الورد والشعراء الصعاليك وبين الحياة التي عاشها المتنبي في كنف سيف الدولة الحمداني ومن على غراره وشاكلته.
تنادي بحذف اسم (قصيدة النثر) واستبدال الكلمة «بالشعر الحر» متى يؤمن الشعراء بصواب قولك ؟؟
_ لقد أجبت عن هذا السؤال في مناسبات وحوارات متعددة، وأصدرت بيانا بذلك عام 2011 تحت عنوان ( بيان جماعة اختلاف )أوضحت به كل ملابسات هذه التسمية الخاطئة من حيث الاصطلاح والتعبير المتناقض (قصيدة = شعر .. ونثر = سرد لنسف تلك الشعرية )..
نعم ما نكتبه نحن هو الشعر الحرّ بعينه، فلقد تحرر تماما من نظام الشكل والمتن في الأوزان والأغراض والقافية وحرف الروي وانتقل من هيئة البيت والعجز الشعريين إلى هيئة الجملة الشعرية غير الخاضعة للإيقاع الوزني.. وأما ماقيل عن ( الشعر الحر سابقا على يد السياب ونازك) فإن ذلك الشكل الملحق بنظام شعر التفعيلة، هو ليس بالشعر الحر أبدا ولا ينتمي لحرية التعبير بتاتا، فهو ظلّ يدور في فلك التفاعيل الشعرية الملحقة بنظام العروض والأوزان القديمة التي جاء بها الخليل بن أحمد الفراهيدي.
وبيان ( جماعة اختلاف ) منشور في غوغل وفي العديد من المواقع الأدبية ويمكنك الرجوع إليه، فهو يجيب عن كل تساؤلاتك بهذا الصدد.
أما متى يؤمن الشعراء بصواب قولي؟.. فهذ عائدة إلى وعيهم ومعرفياتهم التي تختلف من شاعر لشاعر آخر، لكنّني ومعي جلّ الشعراء الحداثيين العرب نؤمن بذلك تماما من دون أدنى شك وسيأتي يوم تسقط فيه هذه التسمية من قاموس الشعر نهائيا.
ما تقييمك لشاعرات العراق وهل استحقت إحداهن أن تطلق عليها لقب شاعرة ؟؟.
_ بتقديري هناك أسماء تستحق لقب شاعرة وإن تفاوتت واختلفت قدراتهنَّ في الموهبة والثقافة، ولو أن الصوت الشعري النسوي عربيا يعاني الانحسار والتقوقع دائما بسبب العزلة والاضطهاد وربما الظروف الذاتية والاجتماعية للكثير منهنَّ إلى جانب اسماء لا تستحق هذا اللقب نهائيا ولكن نجدهنَّ بكل مناسبة وبكل محفل يعتلينَ المنابر ببطاقات مرور مزورة ومجيّرة لحساب جهات سياسية معروفة ليزعقن باصواتهنَّ النشزة ويفسدّنَ الذائقة والذوق على حساب الشعر الحقيقي، وهؤلاء النسوة بتقديري زائلات لا محال إذ لا يصلحنّ إلا للعزاء والهتاف.
نعم: لم تظهر على السطح لحدّ الآن أسماء شعرية نسوية مهمة في العراق على غرار نازك الملائكة أو لميعة عباس عمارة أو ريم قيس كبّة وغيرها، ونتمنى أن يحفُل المشهد الشعري العراقي بمثل تلك أسماء مستقبلا.