علي إبراهـيم الدليمي
الواقع الذي لمسناه جلياً، يقول بأنَّ كثيرا من الخطاطين الذين درسوا الخط العربي، تخرجوا من معطف مدرسة الخطاط العراقي هاشم البغدادي ، ومن خلال كراسته الشهيرة (قواعد الخط العربي).
صدرت الكراسة عام 1961، ووضع فيها قواعد جميع أنواع الخط العربي، وقياساته الدقيقة، كحروف مفردة أو مركبة، مزينة بلوحاته الرائعة التركيب.
أشتهر البغدادي بغيرته على قواعد وأصول الخط العربي وضبطها، وعدم التسامح في تغيير صورته الجمالية، ولو تفحصنا ملياً مسيرة البغدادي الفنية، سنلتمس بوضوح أنه قد رسم ملامح متميزة خاصة لصورة كتابة الحروف، من دون المساس أو الإختلال في قواعدها، كما هو في خط الديواني مثلاً، الذي رسمه على وفق طريقة خاصة، والذي يختلف تماماً عن الخط الديواني الذي عرفناه من كراسات الديواني للخطاط المشهور مصطفى غزلان، أو ديواني الأتراك.
إن مثل هذا الإبداع لم يأت بطريقة إعتباطية، بل جاء وليد مسيرة طويلة مليئة بالصبر العنيد، والتضحية الجادة، والولع الشديد، وحبه لفن الخط، وقدسيته الدينية لمكانة الحرف التي اخذها منذ صباه من خلال تعلمه وحفظه للقرآن الكريم على يد (الملالي).
لم يتشتت البغدادي منذ بداياته في هوايات أخرى، فقد صب جل جهده ووقته لاستقصاء أسرار والغاز فن الخط حصراً، واجادته أنواع الخطوط العربية بضروبها إجادة تامة، كل ذلك جعل خطه يمتاز بالقوة والرشاقة وتنسيق جمالية التركيب، وتكوين الموضوعات الفنية بأشكال هندسية وزخرفية متناسقة فنياً وفكرياً، فضلاً عن جعل كتاباته المتناظرة ايقاعاً موسيقياً جميلاً ذا قيمة جمالية عالية.
في سنة 1937، عين خطاطاً مستخدماً في مديرية المساحة العامة، حيث ألتقى هناك بحكم عمله مع الخطاطين المبدعين أمثال صبري الهلالي، وعبد الكريم رفعت، وغيرهم، حتى سنة 1960 حيث نقل ملاكه إلى وزارة التربية، واختير رئيساً لفرع الخط العربي والزخرفة في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وفيه تتلمذ على يده العديد من الطلاب الموهوبين، وتميز بعضهم.
في سنة 1944 سافر إلى مصر لينتسب لمعهد تحسين الخطوط بالقاهرة، وقد عرض عليهم (الإجازة)، وقدم كذلك نماذج من خطوطه، فنالت إعجاب الأساتذة المشرفين على المعهد، واتخذت إدارة المعهد قراراً بمشاركة البغدادي في الإمتحان الأخير للصف المنتهي، فحاز على (الدرجة الأولى بإمتياز)، وقد أجازه الخطاط الشهير (سيد إبراهيم) إجازة خاصة، وكذلك الخطاط (محمد حسني).
في السنة نفسها، طلبت منه إدارة المعهد أن يبقى في مصر للتدريس في المعهد وبراتب مغرٍ، لكنه أبى.
ولم يكتف البغدادي بهذه الشهادات الفنية، إذ كان طموحاً إلى أبعد نقطة، فسافر إلى تركيا لمشاهدة الخطوط الرائعة التي خلفها كبار الخطاطين الأتراك أيام العثمانيين، إذ تأثر بالخطاطين الأتراك، وعدهم المثل الأعلى في التفوق.
وهناك ألتقى بالخطاط المعروف (حامد الآمدي) وهو آخر عمالقة الخط الترك المجيدين في الخط وفنونه، وعرض عليه لوحاته، وكتب عنده فدهش (الآمدي) وأعجب بخطوط البغدادي أيما إعجاب.
أصدر البغدادي سلسلة من أربعة أجزاء في (خط الرقعة) سنة 1946 وهي معدة للتعليم في المدارس الإبتدائية، إلا أن إصدار مجموعته الرائعة (قواعد الخط العربي) سنة 1961، كانت وما زالت أهم وأرقى مجموعة للخطوط العربية، ظهرت حتى الآن في العالم العربي والاسلامي.. بل تعد بمنزلة (مدرسة) إبداعية وتعليمية شاملة.
من آثاره المهمة التي يعتز بها كثيراً(مصحف الأوقاف) الذي طبعته مديرية المساحة العامة ببغداد، بإشرافه على نسخة للخطاط محمد أمين الرشدي، ثم أعيد طبعه في المانيا مرتين، وقد قام بتذهيبه وترقيم آياته، وكتابة عناوين السور، والأحزاب، والسجدات، كما صنع له زخرفة رائعة لفاتحة الكتاب وأول سورة “البقرة”، فكان بحق تحفته الفنية النادرة والنفيسة، وقد وصل إليه (وسام تقدير) من البابا لفنه الذي أستعمله في زخرفة المصحف الشريف الذي طبعه في المانيا.
كذلك زين البغدادي، الكثير من المساجد في بغداد وأماكن أخرى في العراق بأروع مارصعته أنامله من خطوط الكتابة على سطور المحاريب والقباب والمآذن.
هاشم الخطاط .. المدرسة البغدادية الخاصة في الخط العربي
التعليقات مغلقة