قصة الجندي علي، في فضيحة قاعدة سبايكر العسكرية، الذي نجا من الموت وهو في احضانه ، فسّر نجاته البعض الى ذكائه في استعمال الخديعة ، عندما انخرط في طابور الموت مع زملائه الذين غربلت صدورهم رصاصات الحقد والضغينة والانسلاخ عن كل ما هو انساني وطبيعي بالحياة..
البعض الآخر عزا نجاته الى شجاعته في التخفي وعبورالنهر نحو القرى القريبة، متحديا حتمية الموت الذي كان بين فكيه..
والبعض الآخر فسرها على ان النجاة كانت بسبب شهامة الناس الذين احتضنوه ، بعد عبوره النهر وسهلوا له عملية الفرار والوصول سالما الى احضان الحياة بين اهله وعائلته..
كل التفسيرات فيها جزء من الحقيقة، فاجتمعت في قصته نجاح الخدعة وشجاعة العبور والصبر وشهامة الآخرين .. وقليلة هي التفسيرات التي تطرقت الى ان نجاته كانت ، بسبب الممانعة العراقية لكراديس الموت جيوش الظلام ، الممانعة الشعبية التي منعت حتى الآن اندلاع حرب اهلية طائفية ضحاياها ملايين الناس، ولا تشبه في صراعها واحترابها كل ماشهده البشر في قرننا الماضي من صراعات ومن بينها الحرب العالمية الثانية، لان حرب العراق لااحد كان بمقدوره ان يوقف امتدادها لو كتب ان تنمو بذورها وتكبر ف”تزهر” دما ودموعا وبلداننا كانت ستختفي اسماؤها الى الابد ..
هذه الممانعة هي التي انقذت الجندي العراقي علي من طاحونة الموت، واوصلته الى اهله سالما مع رسالة ولا أوضح للعالم اجمع، من ان اليد التي تسبل في صلاتها واليد التي تتكتف في الصلاة نفسها لايمكن ان تكون سببا للذبح والقتل االمتبادل..
الجندي علي التقط صورة له مع احد ابناء العائلات التي كانت حاضنته في النجاة، وهو يصلي مسبول اليدين ومضيفه يصلي مكتوف اليدين ، والاثنان كتفا الى كتف في مواجهة الله وهو وحده المقرر والحاكم والمسؤول من وجهة نظر دينية !
السؤال هل من المعقول ان يهتم المنكوب والناجي من الموت ، والعائلات التي احتضنته مع كل مخاوفهما بترف التقاط صورة تذكارية ؟
نعم .. لم يكن الامر ترفا ، كان تصرفا وسلوكا انبثق من اللاوعي، في الوحدة التي تجمع وجمعت الاثنين معا ، لقد كان علي ممثلا حقيقيا لعراقيته في مكافحة الارهاب، وفي ثقته بالابواب التي طرقها وهو يعلم انهم “مذهبيا” من الرصاصات التي قتلت زملاءه ، كانت ايضا ثقة نابعة من شيء جواني تربى عليه الجندي علي، كما تربت عليه العائلات التي فتحت له قلوبها ولم تخيب ظنه في الحقيقة الاكيدة للشعب العراقي من ان لحمنا مر وليس من السهوله هضمه والتهني به، والعائلات التي استقبلته كانت ممثلة حقيقية لعراقيتها ووجدانها التأريخي..
كانت رسالة ولا اوضح ..
لاننكر اننا تلوثنا مما جرى لنا وحصل علينا من ضغوط غير معقولة زلّت البعض منها الى مهاوي الطائفية، وأكلت من جرفنا العراقي الحقيقي، واتسعت خارطة الدم
، لكن قصة جندي سبايكر واهله في ضفة النهر ذاتها مازالت تقص علينا قصصا مشابهة لاصولنا ووجداننا ووعينا التأريخي ، وتقول لنا بكل نقاء ..
تلك هي القصة الحقيقية لوجودنا معا ..