السعودية تتمهل في الإصلاحات

سايمون هندرسون

تمتعت السعودية على مدى أشهر بمكاسب استثنائية في العلاقات العامة. فولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الزعيم المستقبلي للمملكة الذي يتمتع بالجاذبية، قد استمال العالم برؤيته حول دولة جديدة ومعاصرة. وشهدت السعودية حفلات موسيقية مباشرة وافتتاح دور سينما إلى جانب الكثير من الأحداث الأخرى المخططة في الأصل. وأصبح بإمكان النساء حضور مباريات كرة القدم. وفي أيلول/سبتمبر الماضي، أطلق الأمير وعداً جريئاً بإلغاء الحظر الذي تفرضه البلاد على قيادة النساء للسيارات، في تغيير من المقرر أن يدخل حيّز التنفيذ في 24 حزيران/يونيو.
وبعد ذلك، وفي وقت متأخر من يوم الجمعة، انهار كل شيء: فقد ظهرت تقارير مفادها أن الناشطات اللواتي ضغطن من أجل إجراء تغيير في السياسة قد تم اعتقالهن وسجنهن. وحتى صباح الثاني والعشرين من أيار/مايو، أُفيد عن إلقاء القبض على 13 شخصاً؛ معظمهم من النساء. وبصرف النظر عن مسألة قيادة النساء للسيارات، فقد نظمن [هؤلاء الناشطات] حملات ضد ما يسمى بنظام (قواعد) الوصاية الذي يتطلب من النساء السعوديات الحصول على إذن من قريب ذكر قبل اتخاذهن العديد من القرارات الخاصة بحياتهن، مثل السفر. ومن بين المعتقلات لجين الهذلول، التي التُقطت صورتها خلال «قمة عالم شاب واحد» في عام 2016 مع الشهيرة ميغان ماركل التي تزوجت من الأمير البريطاني هاري يوم السبت المنصرم.
ما الذي يحدث في المملكة؟ ربما يرغب الأمير بن سلمان في إحباط أي احتجاجات شعبية تسعى لتغييرات اجتماعية أو سياسية إضافية (خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، أخبر مسؤول أميركي كاتب هذه السطور أن الاعتقالات تعكس أسلوب الأمير الشخصي، حتى لو لم يكن اسمه مرتبطاً علنياً بها). ولطالما أثارت إصلاحاته معارضة من داخل المجتمع الذكوري الهرمي في السعودية الذي يتبع تفسيراً صارماً للإسلام. وتشير الحاجة الواضحة لاعتقال ناشطات إلى أن على ولي العهد إعادة النظر في خططه الكبرى.
وفي السعودية، يتمّ أحياناً تشبيه محمد بن سلمان بصدام حسين، دكتاتور العراق السابق الذي أُعدم [عام 2006]. وغالباً ما يشير [السعوديون] إلى صدام «الجيد»، الذي كان، كنائب رئيس الجمهورية، القوة المحركة وراء التحديث في بلاده في سبعينيات القرن الماضي. وبرغم قساوته، كان هذا الجانب من صدام محترماً. وفي وقت لاحق فقط، في الثمانينيات والتسعينيات، أصبح يثير مخاوف واسعة. وقد تحدثتُ إلى سعوديين يخشون أن يتغيّر [إسلوب] محمد بن سلمان على نحو مشابه.
وإحدى الروايات حول ولي العهد السعودي التي يذكرها على ما يبدو كل سفير في الرياض هي «قصة الرصاصة». فحين كان الأمير بن سلمان في سن الثانية والعشرين (قبل 10 سنوات تقريباً)، أراد بناء مهنة تجارية. وحدث مرّة أن احتاج إلى توقيع قاضٍ سعودي على صفقة ما. لكن كانت هناك مشكلة في العقد، لذلك رفض القاضي [التوقيع عليه]. وتقول الرواية إن محمد بن سلمان أخرج رصاصة من جيبه ووضعها على مكتب القاضي. وقال له «إما أن توقع وإما تكون هذه ….. من نصيبك». ووقّع القاضي العقد لكنه اشتكى إلى العاهل السعودي آنذاك الملك عبدالله الذي منع محمد بن سلمان [من الاقتراب] من الديوان الملكي.
وتدل مثل هذه القصص والمخاوف حول ولي العهد على عضو يافع من العائلة المالكة يتمتع بمزاج حاد، مصمماً على إعادة رسم معالم المملكة في عجلة من أمره. وربما يعتقد بن سلمان حالياً أن حركة الإصلاح التي بدأها قد خرجت عن سيطرته، أو ربما اكتشف أنه تحرك بسرعة كبيرة، بشكل أقلق النخبة القديمة التي تحتاج الآن إلى [بعض] التهدئة. أو ربما نَصَحَه والده – أو قيل له أن ينصحه – بأن عليه أن يُبطئ [عجلة التغيير].
وفي الشهر الماضي، ظهر احتمال بأن محمد بن سلمان ربما يواجه معارضة قوية كانت قد برزت خلال مؤتمر القمة العربي الذي استضافه الملك سلمان في مدينة الظهران بالقرب من ساحل الخليج العربي. وركّز الاجتماع على قرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس؛ وكرر البيان الختامي للاجتماع العديد من الجمل المعتادة حول دعم الفلسطينيين. ولم يشكّل ذلك مفاجأة كبيرة، ربما باستثناء واقع أن ولي العهد السعودي (الذي حضر القمة ولكن في دور مساعد لوالده) كان قد عاد لتوه من جولة دامت ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة، حيث ذكرت بعض التقارير أنه كان محل اهتمام كل من مجتمع الأعمال وقادة المجتمع اليهودي الأميركي. وقد أُفيد أن الأمير بن سلمان أطْلَع المجموعة الأخيرة بأن مسألة مصير الفلسطينيين ليست ضمن أول 100 قضية تشغل بال السعوديين الاعتياديين – وهي جملة تردد أنها تسببت حرفياً بسقوط بعض [الحاضرين] عن كراسيهم.
ويقول أولئك الذين قابلوا محمد بن سلمان إنه أشبه [بالرئيس الأميركي السابق] بيل كلينتون من حيث مهارته في الانخراط حتى مع أولئك الذين لا يوافقهم الرأي. لكن نادراً ما يبدو أنه يغيّر رأيه. وهذا أمر مؤسف، لأنه يكتسب أيضاً سمعة باتخاذه قرارات سيئة. وتشمل هذه الأخيرة احتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والحرب المستمرة التي تشنها السعودية في اليمن ضد رجال القبائل الحوثيين المدعومين من إيران، والأزمة الدبلوماسية مع قطر، واعتقال نحو 400 أمير ورجل أعمال بتهمة الفساد. فضلاً عن ذلك، تسير «رؤية السعودية 2030»، وهي خطة التحول الاقتصادي في المملكة، بخطى بطيئة، علماً بأن مكوّنها الرئيسي هو البيع الجزئي لشركة النفط الحكومية السعودية «أرامكو». إلا أن هذه الخطوة قد تم إرجاؤها. وفي الوقت نفسه، يستمر الكشف المحرج عن البذخ المبتذل لولي العهد في الظهور.
أخيراً، يبدو أن محمد بن سلمان غير مهتم حقاً في التغيير. فاعتقال الناشطين هو الطريقة التي ستلجأ إليها السعودية وكانت قد تصرفت على هذا النحو سابقاً: ففي عام 1990، تمّ اعتقال عشرات النساء لقيادتهن السيارات في الرياض. لكن من المفترض أن تكون السعودية اليوم مختلفة، ومن المفترض أيضاً أن يمثل محمد بن سلمان جيلاً جديداً من الأمراء. فآمال العالم منعقدة عليه لإنشاء [دولة] سعودية حديثة، قادرة على فصل نفسها عن الأسس الدينية المحافظة في البلاد. لكن في أعقاب الاعتقالات الأخيرة، أصبحت قدرته على تلبية هذه الآمال موضع شك.

*سايمون هندرسون زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة