د. عبد اللطيف جمال رشيد
إنتهت قبل أيام العملية الانتخابية في عموم مناطق العراق لانتخاب 329 ممثلاً لأبناء الشعب في مجلس النواب القادم، وتمّ إعلان النتائج النهائية للكتل والإئتلافات السياسية الفائزة وأسماء الذين حازوا على المقاعد النيابية للدورة البرلمانية القادمة والتي ستمتد لأربع سنوات تشريعية، ويجب علينا إنتظار نتائج الطعون والشكاوى المقدمة الى مجلس المفوضين كي نحصل بعدها على النتائج النهائية المصادق عليها رسمياً من قبل رئيس الجمهورية.
وعلى الرغم من كثرة الملاحظات التي سجلت خلال المدة المنصرمة إلا أنّ الشيء اللافت كان في ضعف حملات ترويج البرامج السياسية، ربما لعدم وجودها أساساً عند بعض القوائم الانتخابية؛ ما يعني عدم وضوح الالتزامات المترتبة على المترشحين في حال وصولهم الى مجلس النواب. فإنّ أغلب ما شهدناه هو اعلانات كثيرة لأحزاب وقوائم وكتل سياسية، وصور لمترشحين بأحجام مختلفة لا حصر ولا عدّ لها، انتشرت في الجزرات الوسطية للشوارع واتشحت بها الحيطان والأبنية والساحات العامة.
إن تقدّم ما قرب من سبعة آلاف الى الترشيح الى الانتخابات النيابية جعل مهمة المواطن صعبة في تمييز الأصلح فيما بينهم؛ خاصة مع عدم وجود برامج إنتخابية لدى الجميع كما أسلفنا، فضلاً عن أن أكثر المتقدمين من غير المعروفين للناخب. وعلى الرغم مع وجود هذه المآخذ على مجمل العملية الإنتخابية، إلّا أنه يوجد هناك أمران مهمان لا بدّ من الإشادة بهما، وهما:
1- أن الإنتخابات جرت في موعدها المحدّد لها من قبل الحكومة، وهو أمر محل تقدير من قبل أغلب الاطراف السياسية في العراق والمهتمين بالشأن العراقي من دول العالم؛ إذ إن الإلتزام بالتوقيتات الدستورية بحد ذاته، هو مكسب ديمقراطي، يضمن المسار الصحيح الذي تمشي عليه البلاد، من خلال التبادل السلمي للسلطة، وعدم إستئثار القائمين عليها، وهو ما يعزز فرص تحقيق النمو والإزدهار في المستقبل.
2- الدور اللافت للاعلام الحر المفتوح؛ الذي قامت به مختلف وسائل الاعلام، على الرغم من نقص المقابلات واللقاءات في الصحف، إلا أن حرية التعبير كانت حاضرة، وإن لم يُحسن استخدامها في بعض الأحايين وللأسف الشديد.
والآن وبعد أن وضعت الانتخابات نتائجها، أصبح من الضروري العمل على تشكيل حكومة وطنية تجمع ما بين الاطراف السياسية، حكومة لا تقصي احداً. وما هو مطلوب في هذه الفترة هو التعاون والتنسيق بين الكتل السياسية؛ من أجل تحقيق برنامج وطني موحّد، يعمل على تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد؛ عن طريق جيش وطني وعدم إفساح المجال للإرهاب وحصر السلاح بيد الدولة. والقيام بخطوات تشريعية عاجلة من أجل تحسين الحالة المعيشية للمواطنين وتقديم الخدمات وتنويع اقتصاد البلد، وعدم الاعتماد فقط على الموارد المالية المتحققة عن تصدير النفط. إنّ تشجيع الصناعة الوطنية والزراعة وتشريع القوانين الضرورية وأهمها: قانون النفط والغاز بشكل تفصيلي، سيمكن معه تحقيق الرفاهية لأبناء الشعب وضمان حقوق الأجيال القادمة.
وينبغي القيام بهذه المهمة بالتزامن مع تشجيع القطاع الخاص ودعمه بغية تخفيف الضغط عن ميزانية الدولة والاهتمام بتقوية مؤسساتها والعمل على التمييز بين الصلاحيات السياسية والإدارية في الحكم ومحاربة الفساد وتقليل امتيازات المسؤولين.
يجب أن يكون ضمن برنامج الحكومة القادم تحسين العلاقة بين اقليم كردستان والحكومة الاتحادية وحل الخلافات وتعزيز الفدرالية وتوسيع صلاحيات المحافظات. وهو كذلك واجب الاطراف السياسية الكردية؛ من أجل طي صفحة الخلافات الداخلية وللأبد، كم أنّ من واجب الأحزاب الكردية صياغة برنامج موحّد لحل المشكلات والدفاع عن المصالح الوطنية والقومية وعدم الانجرار نحو المصالح الحزبية والفئوية. ينبغي التركيز على ايجاد معادلة عملية لتنظيم واردات النفط بشكل معلن ويتم تحسين الإدارة في مختلف مفاصل الحكومة، وأن تكون الشفافية هي الأساس في اتخاذ القرارات البرلمانية المهمة بشكل يرتقي الى حجم المسؤولية التي تقع عاتقهم، وبالشكل الذي يستحقه أبناء إقليم كردسـتان وكل شعب العراق.