بقلم: ابراهيم الخياط
(رحل الكاتب المسرحي الكبير طه سالم وهو في الـ ٨٨ من عمره الحافل بالإبداع والكفاح)، بهذه الكلمات المسؤولة نعى اتحاد أدباء العراق كاتبنا وفناننا الرائد الذي ولد في الناصرية عام 1930 ولكن بغداد هي التي أضفت عليه مآثر الأسرة والشهادة والشهرة والالتزام الجميل، فنال شهادة معهد الفنون الجميلة وبنى أسرة مبدعة واحترف المسرح تمثيلا وكتابة وانضم الى الحزب الشيوعي العراقي.
عمل لسنوات مشرفاً فنياً للنشاط المدرسي في تربية الرصافة وألف عدداً من التمثيليات والمسلسلات من خلال تأثره بتوفيق الحكيم وبخاصة مسرحيته «أهل الكهف»، وشارك في أعمال فرقة (اتحاد الفنانين) وفرقة (نجوم المسرح) مع سعدون العبيدي وخليل شوقي وفاضل القزاز ومحسن العزاوي حتى ثورة ١٤ تموز 1958 حيث انضم الى فرقة المسرح الحديث.
لقد كتب أثناء دراسته في المعهد خلال الخمسينيات أول نص مسرحي له وكان بعنوان «البطل» فأدى فيه دور البطولة، وآخر نص كتبه كان في عام 1984 وهو مسرحية «المزمار السحري» التي أخرجها فخري العقيدي للفرقة القومية للتمثيل وعرضت على مسرح الرشيد.
من مسرحيته «طنطل»، ظهر تأثره بمسرح اللامعقول فأردفها بمسرحية «ورد جهنمي» التي تناولت موضوعا قريبا لفكرة مسرحيته «طنطل» حيث يوجد شرير في المدينة فيكون العمل واجباً للخلاص منه، ثم ثلثها بل رسخ مساره بمسرحية «ما معقولة» التي أخرجها سامي عبد الحميد أوائل السبعينيات لطلبة أكاديمية الفنون الجميلة.
لقد كان طه سالم كاتباً مكثرا ومجيدا في آن اذ نال العديد من الجوائز، فقد قطفت مسرحيته الشهيرة «بازبند» الجائزة الأولى للدراما عام ١٩٦٩ – ١٩٧٠، ونالت مسرحيته «الحطاب الصغير» أيضاً الجائزة الأولى للدراما في السنة التالية ١٩٧٠ – ١٩٧١، كما نال عام ٢٠٠٢ تكريم مهرجان الرواد الثاني الذي أقامته الجامعة العربية عن الأدب المسرحي، وفي عام ٢٠٠٣ تم تكريمه بجائزة الإبداع.
وبعد توفيق الحكيم تأثر طه سالم بالتراث فاستلهم منه الحكايات الشعبية والفولكلور وهذا ما كان واضحاً في مسرحيتيه «الكورة» و»البقرة الحلوب»، ثم كان التأثر الهائل بالأدب العالمي فمن تشيخوف تعلم الاهتمام بحياة الطبقات الدنيا المسحوقة والكتابة عن الصراع الاجتماعي، ومن غوركي تعلم الاعتماد على الشخصية أكثر من الاعتماد على العقدة وأن يبعد اللغة عن التنميق كما في الغوركية المعروفة «الحضيض»، ومن يوجين أونيل تعلم التعبيرية في الكتابة برسم شخصية رئيسة واحدة لتكون البنية من خلال نظرة تلك الشخصية إلى الأزمات الشخصية والعامة وغالباً ما كانت هكذا مسرحيات تحتوي على عدد كبير من المناظر والمشاهد وبشكل متتابع، ومن ابسن تعلم الرمزية بعدم تصوير العالم الحقيقي فكتب مسرحيته «مدينة تحت الجذر التكعيبي» وهي حكاية ترويها العلامات غير البشرية والدلالات الاجتماعية الموحية، ومن بريخت تعلم الحرفة الملحمية التي أتت ثورة على كـل ما هـو تقليـدي ومألـوف فـي المسـرح.
ومن الحزب الشيوعي العراقي تعلم الدرس الأكبر الذي صيّره مُعلما، تعلم منه أن المسرحية لا تكون شعبية بلغتها فحسب بل بأبطالها وشخوصها وفكرتها ومعالجتها، تعلم منه أن المسرح يخلق شعباً مثقفاً بعد تأمين خبزه، تعلم منه أن يكتب وهو في الـ ٨٨ من عمره مسرحية عن الحمّال الأخرس (قاسم) الذي كان بطل وثبة كانون ١٩٤٨ في البؤرة المنتفضة بين الشورجة وسوق الصفافير، وتعلم منه إلتزام قضية الناس فدفع الثمن والضريبة وساقه قطعان الحرس القومي يوم ١٠ شباط ١٩٦٣ الى الزنازين الباردة المظلمة المدماة.
وفي تلك الساعة البعثية المشؤومة تعرض الحياة مشهدا رهيباً على مسرحها، إذ وهم يأخذونه فإذا بصوت رفيقة حياته (أم عادل) يدوي فتقول له أمام الفاشست:
– لا تهتم طه، لا تبيع نفسك لذوله المجلوبين، لا تهتم، راح أسوي جدر وأبيع باجلة وأربي الجهال، المهم يبقى راسك عالي..