الصّدفة: هي تلك المسافة المفترضة التحقيق على الرغم من هجوم الآف حقائق الوهم على استنزاف التصديق بصدد خلود تلك المسافة الغائمة -الحياة -.
وقد التقى بطرفي أفق الوجود ( امرأة ورجل )، مصطحبين معهما ذلك الوهج المتناسل برفق واضطراب وارتجال , إذ إنّ مكان اللّقاء ( حقيقة الوجود ) هو بقعة متحركة، حلَّ في ربوع مصداقها ( الإنسان )، فكان اللّقاء في غياهب الصّدفة هو : (رجل وامرأة وعتبة )، طرفا أُفق الوجود مع رمز المكان ( عتبة )، حيث أوّل المستقبلين في مسكن الحياة ، وأوّل القارئين لذاكرة الخطوات الدّاخلة فيه، وآخر المودّعين للخارجين منه .. وأعطت قارئة النّصّ وكاتبته مرّة أخرى قراءة بحجم النّصّ، إذ توهجت القراءة باكتشافات اسقطت ما دونها وترامى ما فوقها امتداداً لها.
إنَّها قراءة وكتابة للنّصّ في الوقت نفسه، وقد تجلت مرحلة الخلق في إعادة كتابة النّصّ حين ارتسم الخطّ البيانيّ في تنامي التّجلي باكتشاف الحدث مرّة أخرى فكان التسلسل هو :
(غرق في نسيان ) سبق هذا النّسيان، (جرأة ملتهبة)، تحت إشراف (جزء يسير من الصّمت )، وما هو إلّا (الحياة من وجهة نظر الخدر والتّغيِّب التّامّ عن سطح الواقع )، إنَّه ( الغرق في النّسيان )، وما كان هذا الخدر والهرب من الوجود على سطح الأسئلة العاقلة، إلاَّ نتاجَ (الانقياد إلى حيث التّربع وسط الجنون واتباع الرغبة المحض ) حيث (جرأة ملتهبة)، ولم يفلح العقل في الوجود ضمن الأسئلة المرّة في إجابات ضاعت بين (أنامل الحب ومخالب الضياع) .
ويأتي السؤال الاستراحة (أيهما أشد فتكًا , الذّاكرة البيضاء ، أم شواطئ الغياب ؟).
تلك هي الاستراحات الموجودة وسط جنون المُدى القادمة من حيث لا اتجاه معلوم، فهي من أقصى مخابئ النفس تتناسل، لتصل محملة بألف صوت، وصمت يتلاشى، كلاهما فوق رفوف خلقت لتبتلع الإجابات أبداً حين يكون السؤال (أيّهما أشد فتكًا).
وتبزغ أول هتافات الكشف في دائرة المحاكاة (العتبة)، تلك الفجوة التي تشرف على كل الحياة (أن نهاجر يعني أن نجتاز العتبة)، إنه المكان الذي نحمله فينا أينما توجهت بنا سبل الحضور وبوادر الغياب، ثم تأتي لحظات مقاومة الغرق في أنفاس قد لا ترفد البلوغ بشيء من التراجع (ليس من السهل الشروع من جديد) لماذا؟ (بعد اجتياز العتبة كل شيء يغرق في الجهل بعد النسيان)، تلك هي الحكاية حين يحتفل المعنى بخرق قديم لقانون العودة، انهما: (يعلمان جيداً أن ليس أمام المرء سوى حياة واحدة، فإن قطعها عبر العتبة.).
إن الوهج الحقيقي هو ما يصدر من نُبُوْءَةٍ أولى في أن الإنسان واحد والحياة واحدة، وما الخروج والدخول فيها إلاّ تعبير ضمني في إجراء تشتيت لحبةِ رملٍ واحدة في مياه محيط النفس، وإن هناك من يمكث على طول درب الغفلة، إنّه (الخدر والتغاضي)، إنّه (النسيان) إذ لا يكون طريق العودة الاّ واحداً حين يتم عبور العتبة (فلن يعود إليها ثانية الاّ عبر النسيان).
إن استغلال النص بهذه الدراية، تعطي منحة الاستقراء عن كثب لكل ماهو قائم على أساس البث والتلقي، كما أن المحاكاة ترسم بألفة شعرية مسارات دافئة تتمكن من قهر جليد الاستغراب، والتيه عن خفايا العتبات والمقاصد، وليس خفيًا أن محاولة إعادة الخلق لا تشبه الترميم بشيء فعندها سيكون النص معاقاً.
إنَّ محاولة إعادة الخلق هي عودة لاستنشاق نقاء مخبأ تحت رموز النص الأصلي بعد امتلاك تأشيرات الدخول والبحث في حقائب (النسيان).
إن في هذا النص مشروعية الإبحار من دون اصطحاب خريطة لطريق ما، أو الاستعانة بقراءة قديمة لإشارات مرور او اتجاهات بوصلة، فحيث يخترق نصل الاكتشاف ستائر الحدث، ستكون حينها الندبة التي يمكنها أن تتحدث عن حكاية أو تأريخ ما.
د. جمال عجيل الأزبجي
محاكاة تعبر عتبة النَّصّ في رواية امرأة القارورة
التعليقات مغلقة