كارين بوييه
ترجمة كاميران حرسان
كارين بوييه ( 1900 ـ 1940 )، شاعرة وروائية سويدية، لديها العديد من المجموعات الشعرية والقصص والروايات. تأثرت كارين بوييه باكراً بالبوذية ولاحقاً بالمسيحية غيرَ أن الحب، شكَّلَ شرخاً عميقاً في وجدانها.
في ديوانها «غيومٌ» المنشورِ عام 1922 وديوانها الشعري «الأرضُ المستترةُ» المنشور عام 1924، تَسِرُّ العديد من النصوصِ الشعريةِ عن افتتانها بالروج وجسداً كاشفةً عن معاناةٍ وتوقٍ وألمٍ تسعى بهِم الشاعرة إلى بلوغِ الصفاء، فالغيومُ رمزٌ للمصاعبِ ورغبةٌ في الترحال نحو الفناء، تُبحرُ إلى مصيرٍ مُقَدرٍ إذ تذوي فيهِ في هدوءٍ قطرةً قطرة. تستمرُ كارين بوييه في «مدنِ النارِ» الصادر عام 1927 بتقديمِ أجملِ ما لديها من مشاعر تجاه من تحب، لكن عبثاً تصدحُ؛ إذ لا حياةَ لمن تنادي.
وداعٌ
حيث تفيض النجوم
وتشبُّ حرائقُ الأرض
تحتَ الثلجِ الذائبِ.
كم وددت رؤيتك تغوص
في ظلمةِ فوضى خلّاقة،
كم وددت رؤية عينيكَ فضاءً مفتوحاً على مصراعيهِ،
مهيأً للتعبئة،
كم وددتُ رؤيةَ يديكَ المنتظرتينِ وردتينِ متفتحتينِ
خاليتين وقشيبتينِ.
ترحلُ دونَ أن أهبكَ من ذلك شيئاً.
لم أبلغ هناكَ، حيث يكمن صَخَبُكَ عارياً.
ترحلُ دونَ أن تأخذَ مني شيئاً ـ
تتركني للهزيمةِ.
أذكرُ وداعاً آخرَ:
قُذفنا من العجينةِ صخباً واحداً،
وحينما افترقنا، لم يعرف
أحدٌ منا نفسه من الآخر…
بيدَ أنكَ ـ تركت يدي كوعاءٍ زجاجيٍّ،
مهيأً هكذا مثل شيءٍ ميتٍ وحسب متغيراً هكذا،
هكذا بلا ذكرى سوى بصمة الإصبع الخفيفة، تلك التي يزيلها الماءُ.
كم وددتُ أن أوقظك لانعدام قالبٍ
مثل جمرةٍ ترفرفُ بلا قالبٍ،
التي تعثرُ في النهايةِ على قالِبها الحي، هزيمَتها، آهٍ هزيمَتها!
صلاةٌ للشمس
جبّارةٌ، بعينٍ لم ترَ العَتمَةَ أبداً!
مُحَرِرةٌ، بمطارقَ ذهبيةٍ تذيبُ الجليدَ!
أنقذيني.
مستقيمةَ أو نحيلةَ الخطوطِ كانت تُمْتَصُّ سيقان الأزهارِ للأعلى:
تودُ الكؤوسُ قربكِ أن ترتعشَ.
تقذفُ الأشجارُ بقواها كأعمدةٍ نحوَ بهائكِ:
عالياً هناكَ وحسبْ
تبْسطُ بخشوعٍ صدرَ وريقاتها التواقة للنورِ.
جررتِ الإنسانَ
من حجرٍ راسخٍ في الأرضِ كفيف النظراتِ
لنباتٍ جوالٍ، يرفرفُ تلفحُ جبهتهُ ريحٌ سماويةٌ.
لكِ ساقٌ وجذعٌ. لكِ عموديَ الفقري.
أنقذيه.
لا حياتي. لا جلْدي.
ليس ثمةَ آلهةٌ تحكمُ في الخارجِ.
بأعينٍ منطفئةٍ وأطرافٍ مهشّمةٍ
أهو لكِ، الذي عاشَ منتصباً.
وعندَ الذي يموتُ منتصباً
تكمنين،
حيثُ عتمةٌ تبتلعُ عتمةً.
يعلو الهدير، يسودُّ الليل.
تتلألأ الحياة بعمقٍ وغلوّ.
أنقذي، أنقذي، أيتها الربة المبصرةُ
ما وهبتِ.