إعادة النظر في مساعدة قوّات الأمن في الشرق الأوسط

مارا كارلين، اللفتنانت جنرال جيمس دوبيك، و البريغادير جنرال براين مينيس*

مارا كارلين

تواجه الولايات المتحدة تحدياً أمنياً عالمياً كبيراً: فالعدد المتزايد من الدول الضعيفة لا يستطيع الحفاظ على الأمن الداخلي. مع ذلك، فإن بناء الدول مكلف- من حيث الأرواح والأموال- ويستنزف الكثير من الوقت. فضلاً عن ذلك، تركّز واشنطن بنحو متزايد على التهديد الذي تطرحه دول منافسة بارزة مثل الصين وروسيا، كما جاء في «استراتيجية الدفاع الوطني» الأميركية الصادرة مؤخراً. ويتعين عليها بالتالي معالجة هشاشة الدولة بطريقة منخفضة التكلفة ولا تحتاج إلى الكثير من الموارد. فخلال السنوات السبعين الماضية، حاولت الولايات المتحدة العمل «عبر، مع ومن خلال» الآخرين من أجل إرساء الاستقرار في دول أخرى، غير أن سجلها في هذا المجال غير مشجع إلى حدّ كبير.
ويعرض أحدث كتاب لي بعنوان «بناء الجيوش في الدول الهشة»(BUILDING MILITARIES IN FRAGILE STATES) حقيقتين أساسيتين: أولاً، إن بناء الجيش هو أشبه بجميع مساعي بناء الدولة: إنه نشاط سياسي أكثر منه فني. فقد فشلت الولايات المتحدة في مساعدة قوات الأمن حين عدّت مثل هذه الجهود بمنزلة ممارسة فنية ضيّقة، متجنبةً المواضيع السياسية الحساسة وكذلك التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الشريكة. ثانياً، يتعين على المسؤولين الأميركيين التعامل بفعالية مع الجهات الفاعلة الخارجية العدائية التي تسعى إلى تقويض هذه المساعي من خلال توفير الدعم المادي أو الملاذ الآمن للمخربين.
لقد نجحت الولايات المتحدة في مساعدة قوات الأمن حين انخرطت بعمق في كافة المسائل المتعلقة بمهام أفراد جيوش الدول الشريكة وتنظيمها وتكليفها، وعندما كانت متنبهة للتدخل الخارجي. كما حققت نجاحاً حين توافرت رؤية موحدة في أوساط الجهات الفاعلة بين الوكالات في واشنطن، إضافةً إلى النجاح في الميدان، عندما تم تكليف الأشخاص المناسبين للقيام بالمهام، وحين قام المسؤولون بنحو منتظم بتقييم البرنامج وأهدافه والحاجة إلى التدخل الأميركي المباشر في القتال.
وفي بعض الأحيان، قد تتعذر تلبية هذه المعايير للنجاح. وإذا اختارت الولايات المتحدة المضي قدماً في ظل هذه الظروف، عليها تكييف توقعاتها وفقاً لذلك مع الإدراك بأن الشراكة قد لا تؤدي إلا إلى إصلاح محدود لقطاع الأمن. وفي بعض الحالات، قد يعني ذلك أن التكاليف تفوق الفوائد وأن العمل مع الجيوش الأجنبية المعنية لا يجدي نفعاً.

اللفتنانت جنرال (متقاعد)
جيمس دوبيك
توفر تجربة الولايات المتحدة في العراق عدداً من النظرات المعمقة إلى تحديات مساعدة قوات الأمن. فحين أطلق الائتلاف «عملية معاً إلى الأمام 2» في آب/أغسطس 2006 من أجل ضمان أمن بغداد في وجه المتمردين، رفضت كتيبتان من الجيش العراقي الانتقال من الموصل إلى العاصمة، وشكّل معظم أفراد قوات الأمن عائقاً أكثر مما قدموا المساعدة – حتى أن الكثير من الجنود لم يقاتلوا. وحين أُطلقت عملية «صولة الفرسان» في آذار/مارس 2008، كادت إحدى الكتائب العراقية الثلاث أن تنهار؛ كان لا بد من إعادة تدريبها وتأكيد التزامها من جديد بالقتال بمساعدة المستشارين الأميركيين. وبذلك، تمكنت القوات العراقية في النهاية من السيطرة بمساعدة ملحوظة من [قوات] التحالف.
ونجحت العملية عام 2008 حيث فشلت تلك التي تمّ إطلاقها عام 2006 بفضل زيادة عدد الجيش العراقي وتنامي قدراته وثقته. وبحلول آذار/مارس 2008، ازداد عديد القوات العراقية من 380 ألف جندي إلى نحو 560 ألفاً. لا بدّ من الإشارة إلى إن الحجم يكتسي أهمية حين يتعذّر تعويض النقص في الجنود من خلال مؤهلات القادة والعتاد والتدريب بدرجة عالية.
ومن حيث القدرة، تمّ تقليص مدة برنامج تدريب القوات العراقية من خمسة عشر أسبوعاً إلى عشرة أسابيع بعد «عملية معاً إلى الأمام 2»، لا سيما عبر وقف المهام غير المرتبطة بالقتال. وفي أعقابها، انضمّ الجنود إلى قيادتهم ومدربين مصاحبين لمدة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع من التدريب بالذخيرة الحية. من ثم، تمّ نشرهم في ساحة المعركة كوحدةٍ، ترافقهم وحدة شريكة كي يواصل الجنود التعلّم في أثناء القتال.
أما بالنسبة إلى المعنويات، فتشكّل الثقة في «صفوف المعركة الأمامية» نتيجة ثانوية لثقة الجندي في نفسه، وفي تدريبه، ومعداته، وقادته، وفي النظام الذي يُفترض أن يدعم المقاتلين في الصفوف الأمامية – ليشمل القيادة السياسية. إذا ما أنجزت كل وحدة مهمتها، فإنها تولّد الثقة والقوة القتالية.
كما شهدت هذه الفترة ثلاثة تحولات في المقاربة الأميركية إزاء بناء الجيش العراقي. فقد طال التحول الأول التركيز الذي انتقل من تدريب الوحدات القتالية وتزويدها بالعتاد إلى بناء مؤسسة – بعبارة أخرى، تعزيز القدرة المؤسسية والوزارية الضرورية لتدريب الأفراد وتوفير المعدات وتطوير القادة وكذلك نشر الوحدات الفعالة ودعمها. وكان التحول الثاني، من التركيز على الانتقال السياسي إلى التركيز على الأمن، حيث كان التفكير السائد قائماً على واقع أنه إذا تمكنت قوات الائتلاف من إرساء الأمن، يصبح الانتقال إلى القيادة العراقية تلقائياً. وتمثّل التحول الثالث في التركيز الجديد على تحقيق الاكتفاء. وكان يتعين على العراقيين فقط أن يتمتعوا بالقوة الكافية لهزيمة العدو الذي يواجههم ويمكن توقُّع تحسنهم مع الوقت بفضل التدريب المتواصل والمتكرر – [على الصعيدين النظري والعملي]، أي في الصفوف والميدان مع وحدات أمريكية شريكة على حد سواء.
ومع قيام الولايات المتحدة بتقليص جهودها في مجال التدريب والتجهيز في العراق تمهيداً لانسحابها من البلاد، واصلت تطوير القدرات المؤسسية والوزارية من أجل تحقيق آثار طويلة الأمد. لكن لسوء الحظ، تمّ التخلي عن هذه المساعي في 2011 حين أعاد «مكتب التعاون الأمني» تركيز الولايات المتحدة على «شحذ رأس الرمح». وأكدت نتيجة هذا التحول مرة أخرى حقيقة أن تدريب جيش ما وتجهيزه بالعتاد أمر ضروري، لكنه غير كافٍ لنجاحه.

البريغادير جنرال براين مينيس
في حين أن إنشاء قوة أمنية شريكة يتطلب الكثير من الخبرة الفنية، لا بدّ من السعي دوماً إلى تحقيقه من خلال وضع هدف إستراتيجي وسياسي أعلى. ومن الناحية المثالية، قد تتم مواءمة القوة الشريكة مع أهداف سياسة الولايات المتحدة وقد تتماشى أهدافها الأمنية مع مصالح الشعب الذي تخدمه. ولسوء الحظ، ليست هذه هي الحال في أغلب الأحيان.
قبل نحو عام ونصف، أدرك رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إضفاء الطابع المهني على الطريقة التي تنفذ بها مساعدة قوات الأمن. ووفقاً للجنرال، يجب أن تكون القوات الأميركية مستعدة لمحاربة دول منافسة على غرار روسيا، في حين يجب أن تكون فيه القوات الشريكة قادرة على مواجهة تهديدات أمنية محلية أقل خطورة. ولهذا السبب، ركّزت «إستراتيجية الدفاع الوطني» ووزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس على تعزيز قدرة الشركاء. إن الطريقة التي ترسل بها الولايات المتحدة حالياً الكتائب والألوية إلى ساحات المعارك غير فعالة إلى حد كبير، حيث يتم تدريب القوات للحروب المتقدمة ولكن يتمّ نشرهم بعد ذلك لتنفيذ مهام مساعدة القوات الأمن، وهي مهمة هم غير مستعدين للقيام بها.
وتجدر الإشارة إلى أن الهدف من إنشاء «كتائب متخصصة لمساعدة قوات الأمن» كان زيادة عدد «قوات العمليات الخاصة» التي تقدم أساساً مساعدة إلى قوات الأمن وتختبر إيقاعاً عملياتياً مرتفعاً في أماكن مثل أفغانستان والعراق. وتمثل «كتائب مساعدة قوات الأمن» مسعى لإنشاء منظمة عسكرية تتناسب هيكليتها مع مهامها.
إن «كتائب مساعدة قوات الأمن» منظمة كـ»فرق الألوية القتالية»، لكن المناصب القيادية فقط يتمّ شغلها من قبل ضباط متمرسين وضباط صف. وتتألف كل كتيبة من «كتائب مساعدة قوات الأمن» من 816 فرداً ضمن فرق استشارية تضمّ 12 عنصراً. ويتمّ تدريبهم حصراً على مهمة مساعدة قوات الأمن، حيث يتلقون تدريباً لغوياً وثقافياً لمساعدتهم على تقديم أداء أفضل مع نظرائهم الأجانب. ويكمن الهدف في تعزيز كل من القدرة والنوعية الأميركية عند تنفيذ مهمة المساعدة. وفي الوقت نفسه، يحافظ هذا الترتيب على الاستعداد القتالي لكتائب المناورة الأميركية، التي لن يتمّ إرسالها بعد الآن في مهمة مساعدة قوات الأمن. غير أنه، إذا لزم الأمر، يمكن زيادة حجم «كتائب مساعدة قوات الأمن» في الأزمات أو الحروب ويمكن لكادرها المحدد، لدى تعزيز صفوفه بالمزيد من الأفراد والمعدات الإضافية، أن يشكّل قاعدة لمزيد من «فرق الألوية القتالية».
وكما قال كارل فون كلاوفيتز، على المرء أن يفهم السلام الذي يأمل تحقيقه قبل الذهاب إلى الحرب. في هذه الحالة، تحتاج الولايات المتحدة إلى خارطة طريق بشأن كيفية ارتباط قوات الأمن التي تدربها والقوات التي تحاربها مع بعضها البعض بمجرد انتهاء الحرب. وبالرغم من أن الإجابة غير واضحة دائماً، إلّا أنّه لا بدّ من طرح هذا السؤال للمناقشة.

*أعدت هذا الموجز لمعهد واشنطن إريكا نيجيلي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة