عناصر التنظيم يقودون المدنيين إلى أماكن متاريسهم
متابعة الصباح الجديد:
شهدت الأيام القليلة الماضية تقدم قناصة الشرطة العراقية المتمركزين فوق مبان سكنية تعرضت للقصف مطلة على غرب الموصل إلى مسافة بضع مئات من الأمتار من المسجد الذي أعلن منه زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي توليه الخلافة قبل نحو ثلاثة أعوام.
ويستطيع الجنود عبر ثقوب في الجدران رؤية مئذنة جامع النوري البنية المائلة وراية تنظيم داعش السوداء على طرف المنارة الأبيض. ويمثل المسجد هدفا يحمل معنى رمزيا كبيرا في معركة استعادة الموصل التي دخلت الآن شهرها السادس.
ربما يكون جامع النوري قريبا لدرجة مغرية لكن القتال المتلاحم بدرجة تنطوي على مجازفة في أزقة المدينة القديمة بالموصل قرب المسجد والتقارير عن وقوع خسائر بشرية كبيرة بعد ضربة جوية تفرض على القادة العراقيين وقادة التحالف تغيير الأساليب.
وقال شهود من حي موصل الجديدة بغرب الموصل ومسؤولون عراقيون إن ضربة جوية للتحالف قبل أسبوع على أهداف لتنظيم داعش ربما سببت انهيار منازل يقول مسؤولو إنقاذ إن ما يصل إلى 200 شخص دفنوا تحت أنقاضها.
وتضاربت الروايات. لكن إذا تأكد حدوث ذلك فستكون هذه واحدة من أسوأ المذابح منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 بينما تحاول الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة تفادي إغضاب سكان الموصل.
وأظهرت المعركة حول المدينة القديمة ذلك بالفعل فقد اضطرت القوات العراقية وقوات التحالف لإعادة التفكير في كيفية التوغل عبر الشوارع الضيقة ذات الكثافة السكانية العالية حيث يقول السكان إن المتشددين يستخدمونهم كدروع.
يقول الرقيب أول حسن القناص بالشرطة العراقية بينما يراقب متاهة من المنازل في الأسفل “نعلم أنه متى يسقط المسجد فستكون هذه نهاية الخلافة… لكننا نحاول أولا حماية الأسر التي تخرج.”
ستسدد استعادة الموصل ضربة كبيرة لداعش بينما تتزايد الاستعدادات لاسترداد قاعدة التنظيم الرئيسية في الرقة السورية. وتطوق القوات الخاصة العراقية والشرطة الاتحادية والقوات الكوردية والفصائل الشيعية مسلحي داعش بالموصل وتقطع الطرق إلى سوريا.
ونجحت قوات جهاز مكافحة الإرهاب العراقي مدعومة بقوات التحالف بقيادة واشنطن في استعادة شرق الموصل بحلول يناير كانون الثاني. ومنذ ذلك الحين سيطرت قوات الجهاز والشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع على نصف الجانب الغربي من الموصل تقريبا.
وفي المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش يتحدث سكان عن متشددين متبقين خضعوا لإعداد جيد بعضهم أجانب والبعض الآخر عراقيون. ويقولون إنهم يجبرون السكان على ترك منازلهم ويهدمون الجدران لحفر أنفاق ويأمرون العائلات بالتقهقر معهم أو يقتادونها إلى مبان يطلق منها المقاتلون النار على الجنود.
يقول وليد وهو واحد من السكان الذين فروا من منطقة قريبة من المدينة القديمة “يتجولون بدراجات نارية بحثا عن مواقع عالية على المباني ولديهم أنفاق بين المنازل… رأيت روسيا عرفته من لكنته… كان يتحدث القليل من العربية.”
ويظل المتشددون يمثلون خطرا حتى عند تقهقرهم. فقد هاجم انتحاريان في جرافة مدرعة حواجز للجيش قبل أسبوعين وفجرا المركبة المحملة بالمتفجرات ليدمرا سيارات همفي ودبابات أبرامز في أحد المواقع.
لكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يقول إنه أضعف ما يملكه داعش من أسلحة فقام بالتشويش على الطائرات الصغيرة بلا طيار التي يستخدمها لإسقاط الذخيرة وأحدث حفرا في الطرق التي يعتقد القادة أن المهاجمين الانتحاريين سيستخدمونها لاستهداف مواقع عسكرية ويستهدف الأطقم التي تطلق قذائف المورتر.
في المعارك الأخيرة حول المدينة القديمة يصف الجنود اشتباكات صعبة من شارع إلى شارع في مبان مدمرة حيث يتم تطهير الأزقة الضيقة عادة باستخدام القنابل اليدوية. تسد الشوارع سواتر ترابية تحرسها أطقم دبابات وجنود مزودون بصواريخ محمولة على الكتف للتصدي للمهاجمين الانتحاريين.
ثم تأتي المدينة القديمة في الموصل التي يرجع تاريخها إلى الإمبراطورية الأشورية والتي تروي أزقتها وشوارعها وجدران قلاعها حكايات الغزوات الرومانية والعثمانية والفارسية. حتى من ولدوا هناك يقولون إنهم يضلون الطريق فيها أحيانا.
وقال أبو طيب الضابط بالشرطة الاتحادية الذي كانت تغطيه كمية من الذخيرة “أحيانا لا نرى العدو وجها لوجه… لا ندخل حتى الأزقة الأصغر. إنها خطيرة جدا. أحيانا نفاجئهم وأحيانا يفاجئوننا.”
ونتيجة لطبيعة الأرض وخطر سقوط المزيد من القتلى المدنيين كان لابد من إعادة التفكير في الأساليب بينما تسعى القوات العراقية لإنهاء حملة الموصل.