ينسب إلى الاديب والمفكر المصري طه حسين قوله ذات يوم ، ان القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ .. والمرجح ان طه حسين حين اطلق قوله هذا ربما لم يكن قد اطلع على واقع النتاج الفكري والأدبي في الساحة العراقية ، فهو يعلم ان الفرد العراقي قارئ نهم فقط ، ولكنه في المقابل كان يعرف ان اغلب المؤلفات المصرية كانت تطبع في بيروت .. وإلا ماهي المفاهيم الخاصة بالكتابة والطباعة والقراءة التي اعتمدها في اطلاق مثل هذا الحكم ؟ ، او كيف قرأ المشهد الثقافي العربي على وفق خريطة القراءة ومستويات التنمية الثقافية في عموم البلدان العربية في تلك الفترة ؟.
نعم ، صحيح ان بيروت كانت وربما مازالت تمثل مركزا مهما من مراكز الطباعة المتطورة بين العواصم العربية ، لان فيها كبريات دور النشر ، ولكن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال ان اللبنانيين لا يقرؤون ، بل على العكس فقد اظهر استطلاع نظمته مؤسسة محمد بن راشد ال مكتوم بالتعاون مع برنامج الامم المتحدة الانمائي عام 2016 ان لبنان يحتل المركز الاول في معدلات القراءة بين الدول العربية اذ يصل متوسط القراءة إلى 59 ساعة وبمعدل 16 كتابا سنويا . .. ومعنى هذا ان قاعدة طه حسين التي يتداولها الجميع لم تعد مسلمة انما هناك وقائع مختلفة تماما عن فحوى القاعدة ..
وأنا هنا لست بوارد مناقشة ما قاله طه حسين ولا ابحث عن اثبات خطله انما اريد القول ان المصريين بارعون في التسويق لبضاعتهم بنحو متميز ، وهذا التميز جعلنا نعرف الادباء والكتاب والممثلين المصريين اكثر من معرفتنا لأدبائنا ومثقفينا وفنانينا المرموقين ، فكيف لنا ان ننجح في تعريف الشعوب العربية بهؤلاء الكتاب والأدباء ونحن لا نعرفهم اصلا ؟ .. ففي الغالب كنا نجد مكتباتنا تعج بالمؤلفات المصرية ، فيوم كنا طلابا في الجامعة كنا نتسابق إلى قراءة الكتب والروايات المصرية ، فعرفنا ابراهيم اصلان في رواية مالك الحزين وتوفيق الحكيم صاحب رواية عودة الروح وعصفور من الشرق .. وثروة اباظة صاحب رواية «ثم تشرق الشمس» ونجيب محفوظ ومصطفى لطفي المنفلوطي واليوسفان ادريس والسباعي ومحمد حسنين هيكل وعباس محمود العقاد وآخرين كثيرين غيرهم
فيما لم يكن المصريون يعرفون شيئا عن النتاج الادبي في العراق وربما ذلك هو الذي دفع طه حسين إلى قول ما قاله ، فهم قد لا يعرفون فؤاد التكرلي ولا غائب طعمه فرمان ولا عبد الرحمن مجيد الربيعي ولا عبدالامير معله ولا عبدالاله رؤوف ولا سليم مطر ولا علي الوردي ولا محمد مهدي الجواهري ولا معروف الرصافي ولا عبود الكرخي ولا حياة شرارة .. والقائمة تطول وتطول ايضا …
ويجري الحديث دائما بضرورة ان تكون هناك قنوات واليات يمكن من خلالها التعريف بالحركة الثقافية وما يشهده العراق من نتاج فكري كبير في شتى المجالات ، وهناك الكثير من دور النشر والمؤلفين العراقيين القادرين على نشر مثل هذا النتاج في الساحتين العربية والدولية ، ولكن كانت المشكلة التي تمنعهم من تصدير الكتب والمؤلفات تتمثل بوجود انظمة وقوانين سارية لا تسمح لهم بذلك , ومن بين موانع تصدير الكتاب العراقي اشتراط حصول المؤلف او دار النشر على اجازة تصدير اسوة بأي بضاعة اخرى يراد تصديرها إلى الخارج .. ومن هنا يعد قرار لجنة الشؤون الاقتصادية الوزارية قبل أسبوعين المتمثل بالسماح لدور النشر العراقية ومؤلفي الكتب في العراق بتصدير مطبوعاتهم من دون شرط الحصول على اجازة التصدير ، خطوة مهمة نحو انتشار وعالمية الكتاب العراقي ، كما انه يمثل كسرا لقاعدة طه حسين ، فبغداد اليوم تقرأ وتكتب وتطبع وتصدر الكتاب إلى الخارج ايضا.
عبد الزهرة محمد الهنداوي
نطبع.. ويقرؤون
التعليقات مغلقة