كارمن راينهارت فنسنت راينهارت
*كارمن راينهارت أستاذة النظام المالي الدولي في كلية كينيدي في جامعة هارفارد.
* فنسنت راينهارت كبير خبراء الاقتصاد وخبير استراتيجيات الاستثمار في ستانديش ميلون لإدارة الأصول.
تجاوز سعر البنزين عند المضخة 3 دولارات للجالون في أغلب مدن الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهو أمر مثير للدهشة من منظور المستهلكين ولكن ليس المحللين المتخصصين في أسواق النفط العالمية. فمن أدنى مستوياته على المستوى المحلي قبل عامين، ارتفع سعر النفط إلى أكثر من الضعف. وكما هي الحال في أي سوق، يعتمد موقفك من هذه الزيادة في الأسعار على موقعك منها.
يعمل ارتفاع أسعار النفط على دعم ثروات المنتجين في الخارج والداخل. وقد رفع صندوق النقد الدولي توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي في ست دول من أكبر عشر دول إنتاجا للنفط والتي عرضها بنحو منفصل في تحديث توقعات الصندوق لعام 2018، كما رُفِع النمو المتوقع لأحجام التجارة العالمية بمقدار نصف نقطة مئوية لهذا العام والذي يليه. تعمل عائدات النفط المتزايدة على تحسين الأوضاع المالية في أغلب الاقتصادات المنتجة، وقد استفادت بعض الجهات من تعاظم رغبة المستثمرين العالميين في إصدار الديون السيادية.
في الولايات المتحدة، سجلت الولايات الخمس التي حققت أكبر مكاسب في إنتاج النفط هذا العقد نموا في تشغيل العمالة بنسبة 2.75% في عام 2017، وهذا ضعف المتوسط الوطني. وفي الوقت نفسه، ارتفع عدد منصات النفط على المستوى الوطني بنحو 50%.
من ناحية أخرى، يستهلك تضاعف تكاليف الطاقة جزءا كبيرا من ميزانيات الأسر، حيث تمثل تكاليف الطاقة نحو 6.5% من الإنفاق الاستهلاكي. والأمر الأكثر إزعاجا أن هذا يعمل عمل الضريبة التنازلية، وهذا يعني استنزاف القدرة الشرائية التقديرية للأسر الأقل دخلا بنحو غير متناسب. في العام المنصرم، كانت الطاقة تمثل 8.7% من إنفاق أقل 20% من الأسر دخلا، مقارنة بنحو 4.9% للخُمس الأعلى دخلا. وعلاوة على ذلك، تفتقر المجموعة الدنيا إلى الأصول الصافية اللازمة للتغلب على النتائج السيئة.
ويشكل هذا الأثر الضريبي جزئيا الأساس للارتباط القوي بين ارتفاعات أسعار النفط العالمية ودورات الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة والتي وثقها جيمس هاملتون من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو. وتُظهِر النتائج المثيرة للقلق التي توصل إليها هاملتون أن كل فترات الركود على مدار التاريخ، باستثناء واحدة، كانت مسبوقة بزيادة في أسعار النفط، وكل حالات الانقطاع في أسواق النفط باستثناء واحدة أعقبها الركود.
لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نجلس وننتظر الانكماش. فكما لوحظ بالفعل، كان ارتفاع أسعار النفط مرتبطا بزيادة في النمو، وفي حين كانت الأحداث التي درسها هاملتون متعلقة بنحو أكبر بانقطاع المعروض، فإن قصة العامين المنصرمين تمثل مجموعة من قوى العرض والطلب.
الأمر الأكثر أهمية أن سعر صرف الدولار على مدار هذا الارتفاع في أسعار الطاقة انخفض بنحو 10% على أساس التداول المرجح. ولأن أسعار النفط مقومة بالدولار في السوق العالمية، فقد أدى هذا إلى إحداث تأثير مادي على حوافز المشاركين في السوق على كل من شفرتي مقص العرض والطلب.
الواقع أن الدولار الأضعف يزيد من القوة الشرائية لشركاء الولايات المتحدة التجاريين (وهو ما يسمى تأثير دورنبوش، على اسم الخبير الاقتصادي رودي دورنبوش من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا)، والتي يمتد بعضها إلى زيادة الطلب على الطاقة. يبيع منتجو النفط غير الأميركيين أي سلعة مقومة بالدولار ولكنهم يستهلكون سلة من البنود الدولارية وغير الدولارية. فمن منظورهم، يعمل الدولار الأميركي الأضعف على خفض سعر الصادرات نسبة إلى الواردات، وبالتالي فإنه يقيد العرض. وينغلق طرفا المقص مع زيادة الطلب وتناقص العرض، مما يعني ضمنا ارتفاع السعر الدولاري للنفط.
ويبدو أن انخفاض سعر صرف الدولار اكتسب بعض الزخم، وهو ما يرجع جزئيا إلى أن الشخص الذي يضع توقيعه على العملة الأميركية، أو وزير الخزانة ستيف منوشين، يبدو غير منزعج إزاء ضعف الدولار. ولكن هل تكون النتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة إذا استمر هذا؟ إجابتنا المؤقتة هي كلا، لثلاثة أسباب.
فأولا، انخفض الدولار في مقابل معظم العملات، ولكنه كان أقل انخفاضا في مقابل عملات الشركاء المهمين في الأسواق الناشئة، مثل الصين.
وثانيا، ترجع بعض الزيادة في أسعار النفط ظاهريا إلى القيود المفروضة على العرض من جانب أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وأصدقائهم المناسبين (وخاصة روسيا). وليس من قبيل المصادفة أن تبدأ أسعار النفط الصعود مع خفض الإنتاج من قِبَل «أوبك+» في نهاية عام 2016، وأن تبدو الآن مرتفعة بالمقارنة بأسعار السلع الأساسية الصناعية الأخرى.
ربما يتغير هذا مع تسبب المزيد من انخفاض الدولار في تأكل المعروض وتعزيز الطلب. وترغب المملكة العربية السعودية بالفعل في سوق مستقرة متوازنة للبترول قبل بيع حصة مقدارها 5% في أرامكو السعودية، شركة النفط الوطنية. بالنسبة لسوق صحية متسقة مع استثمار رأسمالي أطول أجلا، فإن سعر النفط الأعلى مما ينبغي قد لا يقل صعوبة عن سعره الأقل مما ينبغي. وفي مثل هذه الظروف، ربما ينتهز المسؤولون في منظمة أوبك+ الفرصة لتوسيع العرض مع الإبقاء في الوقت نفسه على الأسعار ضمن حدودها الحالية.
وثالثا، عندما يتعلق الأمر بالعرض، لا ينبغي لنا أن ننظر إلى الخارج فحسب. ذلك أن الزيادة في الإنتاج الأميركي، بفضل التقدم التكنولوجي في إنتاج النفط الصخري، كانت بمثابة متنفس.
والولايات المتحدة على الطريق الآن لضخ كميات من النفط هذا العام أكثر من أي وقت مضى في تاريخها. ومع ذلك، كان المنتجون المحليون معتدلين حتى الآن في زيادة العرض، وهو ما يرجع وفقا للتقارير إلى رغبة أصحاب الأسهم في تحقيق المزيد من الأرباح بقدر أقل من الإنفاق الرأسمالي. ولكن تكنولوجيا الإنتاج تتقدم، وتبدو الأسعار الأعلى جذابة.
في مجمل الأمر، من غير المرجح أن تتسبب تأثيرات صدمة الطاقة في الإخلال بالنمو على نطاق الاقتصاد بالكامل، وإن كانت هذه التأثيرات غير سارة. غير أن الأمر يظل غير محسوم في اعتقادنا، بسبب تقلب سوق السلع الأساسية. في عمل بحثي حديث مع كريستوفر تريبيش من معهد كييل، أحصينا عددا من دورات الازدهار والكساد في أسعار السلع الأساسية أكثر من ضعف نظيره في تدفقات رأس المال منذ عام 1820. ويبدو الأمر وكأن الاقتصاد العالمي يستقل قطار ملاهي.
هل تتجه أسعار النفط إلى ارتفاع حاد آخر؟
التعليقات مغلقة