مصر: انتخاب في لبوس استفتاء!

حسن البطل
ينشر بالاتفاق مع صحيفة الايام الفلسطينية
في نهاية الشهر المقبل، (آذار)، ستجري رابع انتخابات رئاسية تعددية مصرية، منها 3 منذ ثورة يناير ـ كانون الثاني ضد «الفرعون» وابن الجيش حسني مبارك، وكان طرفاها، عموماً، هما الشباب ضد الإخوان.
ظاهرياً، كان فوز مرشح الإخوان، محمد مرسي، نتيجة انتخابات تعددية ـ تنافسية رباعية (محمد مرسي، العسكري أحمد شفيق، الناصري حمدين صباحي، السياسي عمرو موسى).
أسفرت تلك الانتخابات عن فوز مرسي بغالبية ضئيلة لا تتعدى 1% على الفريق أحمد شفيق لأن شعار ساحة التحرير كان «يسقط حكم العسكر». لكن ـ كما يقال ـ قلب قائد الجيش، المشير الطنطاوي النتيجة، لأن الإخوان هددوا بإحراق البلد إذا خسر مرسي التنافس، بعد 87 سنة من «تمكين» الإخوان منذ تأسيس حركتهم، كأول حركة عربية للإسلام السياسي.
ينظرون إلى ثورة ـ انقلاب 30 يونيو ـ حزيران، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، الذي أعلن «خارطة طريق» باعتبار ذلك استعادة ـ تصحيحية لثورة 25 يناير.
بين إقالة مرسي وانتخاب السيسي، تمّ تكليف رئيس المحكمة الدستورية، علي منصور، بتولي الرئاسة الانتقالية، كما جرى الحال في فلسطين بعد وفاة عرفات، وقبل انتخاب ابو مازن!
في انتخابات العام 2014 تنافس الناصري حمدين صباحي مع الرئيس السيسي، لكنه أحرز 3,9% من الأصوات، بينما اكتسح السيسي بغالبية تقارب 97% من الأصوات.
بعد فوزه، قدر السيسي أن مصر بحاجة إلى عشرين سنة لتصبح ديمقراطية، وبعدها يمكن توقع انتخابات تعددية ـ تنافسية قد يفوز بها مرشح مدني، بعد حقبة حكم عسكري منذ ثورة يوليو 1952.
مع فتح باب الترشيح لانتخابات آذار ـ مارس المقبل، أعلن الفريق شفيق نيته للتنافس مع السيسي، لكنه سرعان ما سحب ترشيحه لأسباب ملتبسة، ويقال إنه أصرّ على «جردة حساب» لانتخابات أدت إلى فوز مرسي بتلاعب من قيادة الجيش والمشير الطنطاوي.
قبل إعلان باب الترشيح لمدة 10 أيام، تعدى الفريق سامي عنان «نيته» الترشيح إلى إعلان برنامجه الانتخابي، لكنه أجبر على الانسحاب لأسباب علّلتها قيادة الجيش، وتلاه انسحاب مرشح حزب «الوفد» خوفاً من الشرشحة».
في النهاية، لن ينافس السيسي سوى مرشح واحد، هو موسى مصطفى موسى، رئيس «حزب الغد» وهو غير معارض للسيسي!
وفق دستور جديد، يتضمن انتخابات رئاسية لمدة اربع سنوات، قابلة للتمديد بمثلها، ولمرة واحدة، سيخوض السيسي انتخابات هي أقرب إلى استفتاء، لكن معه إنجازات حقيقية لتعويم حالة الاقتصاد من التردّي بعد ثورة يناير، التي كانت من أسباب ثورة يونيو وعودة الجيش إلى الحكم.
حتى تونس، التي كانت مهد «الربيع العربي» تراجع الاقتصاد عما كان عليه إبّان المستبد العسكري بن علي، لكن تقدمت تونس في ديمقراطية الانتخابات التنافسية بين «النهضة» الإسلامية و»نداء تونس» العلمانية، وهذا بفضل تراث بورقيبة.
في بقية دول «الربيع العربي» تراجع الاقتصاد، وتفككت الجيوش، ودخلت البلاد في حالة احتراب وخراب، لكن الجيش المصري مشهور بالضبط والربط، وربما لهذا السبب كان تراجع شفيق وعنان عن التنافس مع السيسي على الرئاسة.
إلى ذلك، فإن القضاء المصري العريق بقي صمّام أمان آخر، إضافة إلى انضباط الجيش، بدليل المحاكمات المطوّلة لرئيسين مصريين متعارضين: عسكري الأصل (مبارك) ومدني (مرسي)، الأول حكم مصر 30 سنة، والثاني سنة واحدة مضطربة.
إضافة إلى شق «قناة سويس جديدة» في زمن قياسي، وشق آلاف الكيلومترات من الطرق وتحسين الكهرباء، ورفع مدخرات مصر من العملة الصعبة إلى ما كانت عليه، فإن السيسي فور ترشيحه افتتح، مبكراً أكبر حقل للغاز في البحر المتوسط، ما سيوفر للخزينة أكثر من مليار دولار شهرياً مستوردات محروقات، وستعود مصر للتصدير بدل الاستيراد.
إلى ذلك، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة أقل قليلاً من 5% هذا العام، وأن تعود مصر للانطلاق من جديد على الصعيد الاقتصادي، خاصة بعد عقود إثر زيارة الرئيس الروسي بوتين لإقامة ثلاثة مفاعلات نووية سلمية. الإخوان قاطعوا الانتخابات التي فاز فيها السيسي، وليس مسموحاً لهم بترشيح منافس له للانتخابات الثانية التي يتنافس فيها، لأن الجيش والإخوان في حالة حرب.
من المتوقع أن يفوز السيسي لرئاسة ثانية وأخيرة، لكن ليس مهماً نسبة فوزه ونصيب منافسه الوحيد، بل الأهم نسبة المشاركة في الانتخابات.
قبل فوز السيسي للمرة الأولى، قال الرئيس الفلسطيني ابو مازن للرئيس أوباما: «ليس من حقي أن أتحدث عن الأوضاع الداخلية في مصر، لكن أعتقد أن الناس سوف تنتخب المشير عبد الفتاح السيسي».
المهم أن تطفو مصر اقتصادياً، كما حال الاقتصاديات التركية والإسرائيلية.. وحتى الإيرانية، ومن ثم تستطيع مصر أن تعود لقيادة العالم العربي سياسياً.. ولا بأس بالانتظار قليلاً لإرساء ديمقراطية مصرية ترفد الديمقراطية التونسية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة