علي صابر محمد *
كثيرة هي الجرائم التي أرتكبتها منظمة داعش الارهابية بحق المواطنين الآمنين في سوريا والعراق ، المنظمة التي ولدت من رحم القاعدة وكل الدلائل تشير بكونها ترتبط بمخابرات دول كبرى وتغذى وتمول من جهات لتنفيذ المخططات الرامية لتدمير المنطقة ولا تمتلك في نشرياتها او برامجها أي مشروع للبناء والاعمار وكل أجندتهم تقوم على أعادة المجتمعات الى زمن السلف في العصور الغابرة ونسف كل التقاليد والمعتقدات الاجتماعية وقمع كل الاصوات من خلال تكفير من يخالفهم الرأي وقتله وبفتاوى من رجال دين أتخذوا الدين وسيلة لبسط النفوذ وحصد المغانم من مال وجنس ولم تسلم من اعتداءاتهم أية طائفة سواء من الشيعة او السنة أوالمسيحيين والأيزيديين وعلى وفق تشريعات محرفة أجتمع معظم علماء المذاهب على كونها تشريعات ضلالية وبعيدة كل البعد عن روح الاسلام ودونا عن باقي الديانات السماوية التي تبشر بالسلام وتمنح الناس الطمأنينة والامان فهم يقتلون كل بذرة خير مغروسة في قلوب الناس ، فأحلوا ذبح البشركالخراف يرافقه التكبير بأسم الله تعالى وقطع الرؤوس وبثوا الرعب في النفوس وسلبوا ممتلكات الناس وأنتهكوا الحرمات وفجروا المساجد والحسينيات والكنائس ودمروا كل مقدس لدى الأنام ، ولعل جريمة تهجير المواطنين وسلبهم مقتنياتهم ودورهم من أبشع الجرائم التي ستظهر تأثيراتها السلبية بعد حين ، فمئات الآلاف من الابرياء المشردين في العراء بلا مأوى ولا طعام ولا ماء وسيوف داعش تطاردهم لتنقض عليهم بلا ذنب أرتكبوه سوى أنهم شيعة او شبك أومسيحيون ، هذا الغول الذي أستساغ التلذذ بلحم البشر لا يمكن أن يكون من بني آدم ، أنهم عبارة عن ماكنة دموية ووباء يحصد الارواح بلا أحساس او شعور أنساني ، مجموعات دموية ترى قوتها في قمع وتركيع وأذلال الآخرين وتبني جبروتها على جماجم المسالمين.
ان الهجمة الشرسة لقوى الارهاب التي أكتسحت نينوى وصلاح الدين وسببت بانهيار قواتنا الأمنية ونزوح معظم أهل المنطقة الاخيارخوفا من بطش المسلحين وطلبا للأمان لم تكن وليدة الصدفة ولا بقدرات وأمكانيات أعتيادية ، وهناك دلائل واضحة لتورط جهات خارجية بهذه المؤامرة التي اشتركت بها دول أقليمية بعد ان هيأت بيئة خصبة لها خلال سنوات ، فما معنى أن يتم قطع شبكة الاتصالات عن كل مدينة الموصل ولمدة أربع ساعات لدى قيام ابو بكر البغدادي بالقاء خطبته في احدى مساجد الموصل لتأمين الحماية له ، ترى أية قوة تمتلك هذه الامكانية لتنفيذ مثل هذا العمل الكبير ؟ انها قدرات متطورة ليس بمقدور أحد الحصول عليها سوى الدول الكبرى مثل أمريكا وربيبتها اسرائيل ، أنه المخطط المرسوم سلفا لتفتيت المنطقة وأضعافها بأعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الاوسط ، وتوزيع الادوار على الجهات التنفيذية وبضمنهم داعش ، وان القوى التي تحالفت معها أملا في توظيف طاقات داعش لأغراضها قد وقعت فريسة لسوء قراءتها للأحداث وعدم قدرتها على فهم موازين القوى الفاعلة في المنطقة ، ثم لا ننسى الدور التخريبي الذي تقوم به بعض التيارات السياسية بتوفير الغطاء السياسي لهذه المجموعات الاجرامية ومنحها الشرعية والترويج لنشاطاتها بغية اسقاط العملية السياسية المتعثرة.
المعلن عن أعداد النازحين بفعل الاعمال الارهابية قرابة مليون وربع المليون مواطن ومعظمهم من التركمان الشيعة والشبك والمسيحيين أضافة الى الهاربين من جحيم المعارك في المناطق ذات المكون السني والاعداد الحقيقية أكبر من ذلك بكثير ، التركمان الذين يشكلون المكون الثالث للمجتمع العراقي يبدو أن تركيا قد تعاملت معهم بنفس طائفي محض وتخلت عنهم لحساب مصالحها في كردستان وأصبحوا اليوم شعبا بلا أرض وخاصة الشيعة منهم فهم بين مطرقة الارهاب الذي يسعى لأبادتهم وسندان من يعمل على أزاحتهم من مناطقهم المتنازع عليها لأحداث التغيير الديموغرافي فيها وما حدث من أبادة جماعية وتقتيل بشع في تلعفر وبشير وأطراف طوزخورماتو وآمرلي وقرى في نينوى يندى له جبين العالم الحر وان تهجيرهم قسرا الى جنوب العراق قد يتبعها التوطين الدائم لهم بحكم ولائهم المذهبي حيث من الصعوبة أعادتهم الى موطنهم الاصلي وتوفير الامن والأمان الدائم لهم . والمسيحيون الذين تمتد عروقهم الى آلاف السنين في أرض الرافدين هجروا بيوتهم وباتت عيونهم المليئة بالدموع تنتظر فرص ترك البلاد بما فيها والبحث عن الملاذ الآمن لهم في الغرب علهم ينالوا الخلاص من الموت المحتم لهم في وطنهم الاصلي.
ومن رصدنا لمعاناة هذه الشرائح المظلومة نتساءل هل كان رد الفعل الحكومي والشعبي يتناسب وحجم هذه المأساة ؟ وهل تم امتصاص زخم النازحين وأيوائهم بشكل يحفظ كرامتهم ويحمي حياتهم من الخطر المحدق بهم ؟ نعم نرى أن الحكومة المركزية وقواها الامنية برغم انشغالها بالتصدي للمسلحين في جبهة طويلة وعريضة الا أنها قدمت بشكل متواضع ما قيمته مليون دينار لكل عائلة نازحة كدفعة أولى لأسعاف الحال ولو مؤقتا لحين الاستقرار والبحث عن الحلول الجذرية لهذه المشكلة وأمتدت يد المساعدة لجميع المسجلين لدى وزارة الهجرة والمهجرين سواء الواصلين الى المحافظات الوسطى والجنوبية أو للذين ألتجأوا الى اقليم كردستان أو كركوك ، الا أن دور المجتمع الغيور في نهضته للتكافل الاجتماعي وقيام منظمات المجتمع المدني بواجباته ودور العتبات في كربلاء المقدسة والنجف الاشرف والحكومات المحلية كان له الأثر الكبير في تخفيف معاناة العوائل النازحة ، علما بأن النزوح أيضا قد أخذ منحى طائفي فالشيعة توجهوا نحو الوسط والجنوب بحكم ولاءهم الطائفي والسنة التحقوا بأقليم كردستان في مشهد يصب في خدمة التقسيم مستقبلا وتكوين فيدراليات ظاهرها على أسس التوزيع الجغرافي وحقيقتها فيدراليات المكونات الطائفية والقومية ، وأمام هذه الكارثة والتعقيدات التي ترافق مسيرة أحداث العراق فهل ثمة أمل في انفراج الوضع وعودة الامور الى ما كانت عليه قبل 10/6/2014 ؟ ومع أن بوصلة التفاهمات المعلنة تؤشر نحو رغبة جميع الاطراف في التوصل الى مشتركات تفكك الازمة الا أننا نرى ان الوضع يزداد تعقيدا لأنعدام القدرة على تعايش ممثلي المكونات فيما بينهم وقيام هذه الاطراف بتجييش الشارع كل لصالح توجهاته ، وحتى لو نجحت الحوارات وأفضت الى انتاج حكومة شراكة وطنية فأن عمرها لن يكون طويلا وستكون عليلة وغير منتجة ، وتبقى الفرصة قائمة في منح المحافظات المزيد من الصلاحيات ترقى الى مستوى الفيدراليات وعلى حساب قوة المركز على أن يرافق ذلك اقرارالقوانين التي تنظم توزيع الثروات بشكل عادل وتطمئن المكونات وتمنحهم حق أختيار مرؤوسيهم واداراتهم بعيدا عن سطوة بغداد .
*كاتب عراقي