الجيل الجديد

أعلن مؤخراً في مدينة السليمانية، عن تأسيس كيان سياسي تحت عنوان (الجيل الجديد)، ووفقاً لما جاء في خطاب مؤسسه رجل الأعمال الشاب شاهسوار عبد الواحد؛ فهو يأتي ليمثل إرادة وتطلعات الأجيال الجديدة، التي فقدت الثقة بإمكانية حصول التغيير داخل الأحزاب التقليدية المهيمنة منذ أكثر من ربع قرن على مقاليد أمور المجتمع والمؤسسات في إقليم كوردستان. من الأهمية بمكان الإشارة الى أن مؤسس هذا الكيان السياسي الجديد السيد شاهسوار، قد برز في الآونة الأخيرة من خلال قيادته لتجمّع عارض إجراء الاستفتاء الأخير على استقلال الإقليم عن العراق (كلا للاستفتاء) وهو من دون شك مثّل موقفاً جريئاً ومغايراً لميل الاندفاعات الجمعية المهيمنة على المشهد الراهن، وهذا ما يعزز الثقة بقدرة هذا التجمّع وقائده الشاب على تحويل تطلعاته الواعدة الى واقع، لا سيما وأن تطور الأحداث وتداعيات ما بعد هذه الخطوة المتسرعة والبعيدة عن الحكمة (الاستفتاء) قد أكدت صواب موقف وتحذيرات التجمّع الجديد من مثل هذا القرار الذي راهن على دغدغة الحلم القومي لدى الغالبية من سكان الإقليم لدوافع لم تعد خفية على المتابع المنصف للمشهد الراهن.
إن ظهور مثل هذه الانبثاقات والتطلعات المشروعة وتبلورها السياسي والتنظيمي المستقل، يمثّل خطوة واثقة على طريق تقويم العمل والنشاط السياسي والحزبي لا في الإقليم وحسب، بل في العراق كله، الذي يعاني من نفس الأمراض والأورام السياسية المزمنة، والمتمثلة بشكل أساس بـ “قياداتها التأريخية” التي لا تثق بغير سبيل التوريث طريقاً لانتقال الزعامة بين سلالاتها النقية..؟! إن الأجيال الجديدة بإمكاناتها المعرفية وعلاقتها بالحداثة والتقنيات وشبكات الاتصال والتواصل المتعاظمة، لا يمكن ان تقبل بتقاليد الخنوع والخضوع التي هيمنت على حياة أسلافهم، ولا بمنظومة القيم العشائرية والطائفية البالية، التي ألحقت أشد الأضرار بحاضر ومستقبل هذا البلد المبتلى بحيتان التشرذم والركود.
كل من عمل ضمن صفوف الأحزاب والتنظيمات السياسية العراقية (من الفاو لزاخو) من دون أن يفرط بحريته وقراره المستقل والمسؤول؛ يدرك جيداً استحالة حصول التغيير من داخل صفوفها، لحزمة من العلل والأسباب، على رأسها الانعدام شبه المطلق لأي شكل من أشكال الحرية والديمقراطية في حياتها الداخلية، ذلك الوضع الشاذ، الذي شرّع الأبواب أمام نوع من المخلوقات (الحبربش) كل موهبتها تكمن في قراءة تعابير وإشارات “القيادة التأريخية” وتحويلها الى فزعات جمعية تصون وتحرس ثوابتها الجليلة، عبر طرد وتهميش كل من تسول له نفسه في التقرب من هذه الإقطاعيات السياسية، التي قطعت كل صلة لها بمعنى ومغزى وتقاليد الحزب السياسي الحديث. لقد برهنت تجربة خيباتنا المستمرة (قبل التغيير وبعده) على ضرورة إزاحة هذه المومياءات السياسية والحزبية عن مفاصل الدولة والمجتمع، وهذا لن يتحقق من دون ولادة البدائل السياسية الفاعلة، والتي تشكل شريحة الشباب قاعدتها الأساس وروحها وتطلعاتها المشروعة، لما تمتلكه من حيوية وقدرة على التجدد والابتكار، وهذا ما يمكن تلمسه في كيان (الجيل الجديد) الذي أعلن عن نفسه في مدينة السليمانية، وشكل الشباب أساس قاعدته وملاكاته القيادية، والتي نأمل أن تقترن نشاطاته التدشينية بالوعي والحكمة، وتجنب المسارب غير الآمنة والشعارات الآيديولوجية الجاهزة، والتركيز على الوظيفة الغائبة للنشاط السياسي؛ أي خدمة الشأن العام وإقران القول بالفعل، ليكون جديراً بتمثيل ما وعد به من آمال وتطلعات مشروعة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة