مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 26
جاسم محمد*

“الجهاد” والراديكالية عند تركيا
بدأت تركيا سياسة اكثر اندفاعا باتجاه تغير النظام في سوريا منذ عام 2011 ومن اجل ذلك سمحت تركيا بتدفق المقاتلين العرب و”الجهاديين” الى سوريا عبر اراضيها. التحقيقات والتقارير الوثائقية كشفت عن دخول المقاتلين العرب والاجانب من اوروبا ومن شتى دول العالم، عبر نقاط الحدود التركية ومطاراتها وبنحو علني من اجل العبور الى سوريا. ان تدفق “الجهاديين” من تركيا شيء محير وذلك لان الاتراك لم ينضموا سابقاً لتنظيمات “جهادية” كالقاعدة و “الدولة الاسلامية”، بأعداد كبيرة، كما ان تقدم داعش في العراق وسوريا، جاء بثمن كبير دفعه الشعب التركي. ف”الراديكالية” في تركيا متناسبة تماما مع ظهور مؤسسات سياسية ومجتمع مدني اسلامي خلال السنوات الاخيرة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ولذلك لم تكن “الراديكالية الاسلاموية” بارزة في صورة تركيا التي تطرح نفسها كنموذج للديموقراطية الاسلامية او الاسلام المعتدل. ولكن ترى المجلة “فورين افيرز” الاميركية ان الراديكالية في تركيا متناسبة تماما مع ظهور مؤسسات سياسية ومجتمع مدني اسلامي، خلال السنوات الاخيرة، في ظل حكم حزب العدالة والتنمية ولذا خرج من تركيا عدد كبير من “الجهاديين” وانضموا الى داعش، حيث ولَّدَ مجتمع مدني ومؤسسات سياسية مهترئة، بيئة مواتية للراديكالية وتتابع المجلة “كما زرنا تركيا وحضرنا ندوات اسلامية طرحت فيها وجهات نظر مؤيدة “لجهاديين”، وذلك من اجل تكوين فهم اوسع حول الرديكالية في تركيا”(25). وان ترك حكومة اوردغان الحدود مفتوحة مع سوريا والعراق، ساعد على تسرب المقاتلين الاتراك الالتحاق بالجماعات القاعدية هناك.
وقال تقرير للاستخبارات نشرته صحيفة “ديلي حرييت” التركية، ان” ثلاثة الاف تركي يضاف الى هذا الرقم وجود ما يقارب من 700 الى 1000 مقاتل تركي، يحارب الى جانب تنظيم داعش في سوريا والعراق”، مبينا ان “عودتهم المتوقعة الى تركيا تثير قلقا لدى حكومة انقرة”. ودعا التقرير الامن الى اجراء مسح ومراقبة لطبيعة صلة ومناصب هؤلاء في تنظيم داعش، وفيما اذا كان لهم نشاط داخل تركيا، واصفا الـ3000 مقاتل بالخلايا النائمة. ورجح التقرير، الى احتمال وقوع هجمات من قبل تنظيم داعش والقاعدة ضد قنصليات الدول الغربية داخل تركيا.

علاقة تركيا بالإخوان
اليوم تركيا تحتاج الى التموضع من جديد وتنظيم نفسها من الداخل، واعادة النظر بدورها في التنظيم الدولي للإخوان في ضوء التطورات الجديدة في المنطقة. اما علاقاتها مع التنظيمات “الجهادية”وتنظيم “الدولة الاسلامية” فهو الاخر الذي لايقل اهمية عن دورها مع الاخوان ان لم يكن متداخلا معه بعد تحالف الاخوان والجهاديين في سيناء وليبيا والعراق وسوريا. التطورات الاقليمية تأتي سريعة وكبيرة الحجم يصعب احتوائها من قبل انقرة، لذا ردود افعال انقرة جاءت بالاتجاه المعاكس. الدور التركي في ادارة ملف الاخوان الدولي، سيكون اوسع بعد قرار الدوحة بأبعاد ومغادرة الجماعة المحظورة.
وفي هذا السياق حدد خبراء عسكريون اميركيون في اربيل ذخائر عسكرية مصدرها تركيا، وتحمل تلك الذخائر علامة تصنيع “شركة الصناعات الكيميائية والميكانيكية التركية (MKE) عثر عليها بعد قتال بين تنظيم “داعش” وقوات البيشمركة الكردية شمال العراق .واكدت صحيفة “طرف” اليسارية التركية ذلك الخبر الى جانب قناة “سكاي نيوز” عربية في تقرير نشرته في اعقاب ذلك، مشيرة الى ان بعض مقاتلي داعش الذين قتلوا عثر معهم على كميات كبيرة من الذخائر من تصنيع الشركة التركية. ويحاول الاتراك اقناع الاميركيين بان تلك الذخائر ربما سرقت، او غنمها مقاتلو داعش من مناطق سيطروا عليها في سوريا (15). لكن ما يجري على الارض وعلى الحدود التركية السورية والحدود العراقية ايضا، لا يمكن ان يتم بدون دور مؤسسة الجيش والاستخبارات للتعامل مع تنظيم داعش والجماعات “الجهادية” وان مرونة حركة هذه الجماعات على مستوى التنظيمات او مستوى افراد داخل تركيا او عبرها لا يمكن ان يكون بدون مراقبة الى هذه الجماعات والى شبكات اتصالاتهم وهذا يؤكد دور الجيش التركي في صنع القرار على خلاف ما جاء في رأي الخبير الاميركي “ال ستافورد”.
ان دور الجيش التركي في صنع القرار داخل تركيا وادارة خلايا وجماعات “جهادية” داخل تركيا او في سوريا والعراق، يعيد الى الاذهان الى مؤسسة الجيش والاستخبارات الباكستانية وعلاقتها مع طالبان والدور المزدوج مابين الاستخبارات المركزية ـ ال سي اي اية وطالبان افغانستان. المشهد في تركيا ودور الجيش ربما لا يكون بعيدا من الأنموذج الباكستاني وما يدعم ذلك ان كلا المؤسستين الاستخباريتين في تركيا والباكستان تصنف ضمن المؤسسات الاستخبارية العميقة في المنطقة. وفي الحالة التركية من المرجح ان يمتد نشاط الاستخبارات التركية الى داخل سوريا والعراق، ضمن سياقات العمل الاستخباري والاجراءات الوقائية.

خطر المقاتلون الاجانب في المانيا
قال مسؤول صومالي يعمل في جهاز الاستخبارات ان “الانتحاري الذي استهدف فندقا في العاصمة مقديشو يوم 27 يوليو 2015، قد يكون المانيا من اصل صومالي”. واضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه في تصريحات لبي بي سي ان “الانتحاري من مدينة بون”، مضيفا ان التحقيقات ما زالت جارية. وهاجم الانتحاري المنتمي لحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة فندق “الجزيرة بالاس”، ما اسفر عن مقتل 15 شخصاً. وقال مسؤول بارز في الاستخبارات الصومالية والذي طلب عدم كشف اسمه ” لن اقدم لكم مزيدا من التفاصيل حول المهاجم، ولكن تحقيقاتنا الاولية تشير الى انه يحمل جنسية مزدوجة، وليس واضحاً بعد، متى بالضبط عاد من اوروبا وخاصة من المانيا.
وقالت مصادر صحفية في مقديشو ان فحوص الحمض النووي جارية على اشلاء الانتحاري الذي دمر هجومه السور الخارجي لفندق قصر الجزيرة المؤلف من ستة طوابق. ونفذ عدد من الصوماليون مزدوجو الجنسية عمليات انتحارية في الصومال اخرها في فبراير عندما قام رجل وامرأة دنماركيان من اصل صومالي بتفجير نفسيهما في فندق “سنترال اوتيل” في مقديشو وقتلا 25 شخصاً. وفي عام 2008، نفذ اول انتحاري اميركي صومالي احدى اوائل الهجمات الانتحارية في الصومال. كان الانتحاري الاميركي الصومالي اسمه “شروا احمد” في السادسة والعشرين من عمره وفجر نفسه في “بونتلاند” في شمال الصومال. يذكر بان حركة الشباب تقاتل، لاسقاط الحكومة الصومالية المدعومة من الغرب ونجحت الحركة التي بايعت تنظيم القاعدة في استقطاب مهاجرين صوماليين ومقاتلين اجانب وان كان مركز الجذب انتقل في السنوات الاخيرة الى تنظيم داعش.

رد فعل الاستخبارات الالمانية
وفي هذا السياق كشفت تقارير استخبارية المانية عام 2015، ان ما لا يقل عن تسع انتحاريين المان شاركوا في عمليات انتحارية في سوريا والعراق، فيما عبرت وزارة الداخلية الالمانية عن قلقها من تنامي ظاهرة سفر متشددين المان للانضمام في صفوف تنظيم “داعش”. ذكرت تحقيقات وثائقية لمحطات “ان.دي. ار” و”في.دي.اير”الالمانية وصحيفة “زوددويتشه تسايتونغ” في وقت سابق ايضا ان هناك خمس عمليات انتحارية مؤكدة نفذها متشددون المان.
لكن مصادر امنية المانية قالت يوم 28 يوليو 2015 في وقت متأخر،ان الانتحاري، المشتبه بانه فجر نفسه بسيارة مفخخة قبل يومين في مقديشو في فندق يرتاده دبلوماسيون، صومالي كان يعيش في المانيا لكنه لم يكن يحمل الجنسية الالمانية، على عكس ما قيل سابقاً وحسب مصادر امنية فان الانتحاري المشتبه به صومالي الجنسية وكان يعيش في مدينة بون الالمانية كمهاجر وكان معروفاً لدى الاوساط الامنية بميوله المتطرفة، الا انه لم يحصل على الجنسية الالمانية. من جانب اخر، ذكرت مصادر امنية لوكالة انباء رويترز ان الانتحاري قد يكون المدعو “عبدي رزاق”. والذي كان يعيش في مدينة بون بغرب المانيا وكان معروفاً بنشاطه في اوساط المتطرفين.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة