صدر مؤخراً عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت كتاب جديد بعنوان (الفريق حردان التكريتي ضحية الخيانة والغدر… رسائل حردان من منفاه الى الرئيس البكر) تأليف سيف الدين الدوري الذي كلفته عائلة المرحوم حردان باعداد كتاب عن والدهم وزودوه بالوثائق والرسائل التي وجهها من منفاه بالجزائر الى الرئيس احمد حسن البكر بعد اقصائه عن جميع مناصبه في نهايات سنة 1970 وآخر رسالة بعثها قبل يوم من الكويت قبل يوم من اغتياله في الثلاثين من آذار 1971 .وأدناه نص رسالة أو كلمة عائلة المرحوم حردان:
كلمة عائلة المرحوم حردان عبد الغفار التكريتي
نزولا عند رغبة الكثير من الأصدقاء والمعارف ، والمهتمين بالشأن السياسي العراقي عزمنا نحن عائلة الراحل ( حردان عبد الغفار التكريتي ) ،على تدوين ومراجعة ما نمتلكه من وثائق خاصة، تتعلق بفترة مهمة من حياته السياسية، وعلاقته برأس النظام السياسي الذي حكم العراق منذ السابع عشر من تموز ،1968 وحتى التاسع من أيلول 2003 . وذلك من خلال رسائله الشخصية الى رئيس الجمهورية (أحمد حسن البكر) بعد إعفائه من مناصبه ،وبعض الرسائل الثانوية الأخرى، والتي تعكس بصورة واضحه مبادئه الوطنية العراقية، ونظرته لعلاقة الحاكم بالناس وبقضاياهم وحقوقهم الانسانية . ولعل وراء الاحتفاظ بتلك الرسائل، قصة تكشف خبث أجهزة مخابرات ( صدام)، وسعيها لمحو ذاكرة الظلم والاستبداد والحقد ،,حيث تم انتزاع الرسائل الأصلية من إبن الراحل الاكبر( سعد) عبر التعذيب البشع الذي مورس عليه عند إعتقاله في قصر النهاية الرهيب, لكن تلك الأجهزة لم تكن تعلم بأننا نحن أبناء الفقيد، كنا أذكى من خبثهم، حيث استطعنا بنسخ تلك الرسائل بالطريقة اليدوية، وتمكنا من إخفائها والاحتفاظ بها لحين نهاية حكم ( صدام ). كانت تلك العملية وغيرها قد بيّنت مدى دموية من كان ( رجلا ثانياً ) في الواجهة السياسية، لكنه كان يدير ماكنة القتل والموت ضد القادة الفعليين للتغيير، الذي حصل في السابع عشر من تموز 1968 وتصفيتهم الواحد بعد الآخر , فلم يكن غريباً على قاتل مثل ( صدام حسين ) التصفية البشعة لقائد عسكري وسياسي مثل الراحل، لأنه كان يخشاه ويخشى الوطنيين الشرفاء المخلصين لبلدهم، لكي لا تتوفر أمامهم فرص خدمة الشعب العراقي , لم يكن ( صدام ) بحاجة الى افتعال ( مؤامرة ) ضد ( حردان ) مثلما فعله بالقادة الآخرين فيما بعد , ولم يتمكن من إلصاق تهم ( الارتباط ) بالخارج، ضد فقيدنا الذي كان يحب وطنه وشعبه ولم يبع نفسه لأحد ، فلجأ الى طريقة التصفية الجسدية، خلال زيارة الوالد الراحل الى الكويت، تمهيداً لزيارة والدته الأسيرة في العراق ، فمنعوا عنه تلك الفرصة الإنسانية بعد أن تسببت سياسته ( اللاانسانية ) في مرض والدتنا وفقدانها لحياتها في بلد النفي ( الجزائر الشقيقة) حيث كان مثواها الأخير في مقبرة ( الشهداء ) الى جانب ضريح القائد التاريخي (الأمير عبد القادر الجزائري ) رحمهما الله . وهذه الرسائل وثيقة تاريخية تكشف من بين ما تكشفه ضحالة التحالف بين ( البكر وصدام ) لتمرير مشروع الاستيلاء النهائي لصدام على حكم العراق ، وجره الى المهاوي التي حلت بالبلد، لما نشاهده اليوم . لقد اعتمدنا في مشروع الكتاب، الذي بين أيديكم، على تلك الرسائل التاريخية المهمة، وعلى بعض المراسلات الأخرى , وقد فاتحنا الكاتب الصحفي ( سيف الدين الدوري ) لما يمتلكه من خبرة في سيرة بعض قادة العراق المعاصر، ونشره كتباً قيمة في هذا الميدان , وبعد موافقته تم تسليمه ما في بعهدتنا من وثائق خاصة ، حيث بذل جهداً مشكوراً في تعزيز تلك الرسائل بالبحث والتقصي، عما نشر من معلومات وتعليقات، ليخرج هذا الكتاب الذي بين أيديكم .ونحن نعتقد بأن هذا الكتاب كوثيقة رئيسة، سيحفز بعض رفاقه وزملائه من رجالات العراق الأحياء، وكذلك الكتّاب والسياسيين والصحفيين، والمتابعين داخل العراق وخارجه، الى تقديم ملاحظاتهم وتعقيباتهم، التي ستجد لها مكانة طيبة لدينا، ممكن أن تضاف الى هذا المجهود في طبعاته المقبلة . سائلين المولى القدير أن يوفقنا لكشف جانب مهم من تاريخ العراق السياسي ولما فيه الخير .
عائلة الراحل حردان عبد الغفار التكريتي
كما تضمن الكتاب مقدمة للمؤلف جاء فيها:
يقال ان الغدر والخديعة في كل زمان ومكان ، لكن موطنها الاصلي .. السياسة
جدلية الغدر والسلطة أو السلطة والخيانة والغدر، ظاهرة عنفية سادت الاوضاع السياسية في العراق، ولازمته منذ حركة 14 تموز 1958، التي أطاحت بالنظام الملكي، وغدرت بالعائلة الملكية، غدراً لم يشهد تاريخ العراق الحديث مثله.إستمرت حتى يومنا هذا.باستثناء الرئيس عبد الرحمن عارف الذي هو نفسه تعرّض لغدر اقرب المقربين اليه والمحيطين به والمفروض بهم حمايته والدفاع عنه. وهما العقيد ابراهيم عبد الرحمن الداوود آمر الحرس الجمهوري والمقدم عبد الرزاق النايف معاون مدير الاستخبارات العسكرية.اللذان اطاحا به بالتعاون مع حزب البعث في 17 تموز عام 1968.
وكتابنا هذا عن الفريق الركن الطيار المرحوم حردان عبد الغفار التكريتي ، أحد المغدورين على أيدي الحكام، الذين توالوا على السلطة، في العراق منذ تموز ،1958حين تعرّض الى غدر الحكام المسؤولين، بدءاً من الزعيم عبد الكريم قاسم مروراً بغدر المشير عبد السلام محمد عارف وانتهاء بغدر الرئيس البكر ونائبه صدام حسين اللذين خططا لإغتياله في الكويت يوم 30 آذار/مارس 1971 على ايدي زمرة من القتلة المجرمين ، وذهبا هما ايضا ضحية الخيانة والغدر التي ساروا عليها. لم يكتف البكر وصدام بإغتياله فقط بل حرموه من كل حقوقه التقاعدية .
هذه الحالة التي إنتشرت في العراق ، حيث برز ضعف إيمان الحاكم، بما كان يبشر به ،وبدت عقيدته من خلال أقواله الجوفاء ليس فيها ما يستهوي الناس، وكلما إسترسل في الغدروالخيانة بأنصاره ،إزدات مطالبه منهم إلى أن ينتهي به الأمر إلى التضحية، بآخر ما بقي له من مقومات الزعامة ، لينقلب سياسياً محترفاً .هذا النوع من الحكام له عقيدة واحدة ،هي إنعدام العقيدة مع تفنن في فن الغدر والخيانة.
وإذا قضى سوء الطالع وصول رجل من هذا النوع إلى السلطة ،فإن عمله السياسي الوحيد يكون نضالاً ( بطولياً) من أجل البقاء في الحكم، ويجعل من البلد بقرة حلوب له ولأولاده وأخوته وأبناء عمومته وأخواله وأبناء عشيرته، وبالتالي يصبح عدوه الأول، كل مواطن شريف ومخلص، ويشتد به القلق، كلما وجد أمثال هؤلاء، اذ يخشى أن يكون في بروز هذا الشخص النزيه والنظيف والمحبوب شعبياً ، يخاف أن يكون في ذلك بداية النهاية له.
لكن برغم ذلك لم يسلم الفريق حردان، من ظاهرة والغدر والخيانة، التي تعرّض لها للمرة الثالثة، تحت سلطة البكر- صدام، فقد أعفي من جميع مناصبه ،بعد أن وجهوا له تهماً باطلة، منها عدم السماح للجيش العراقي بالوقوف مع المقاومة الفلسطينية ، في أحداث أيلول بالاردن عام 1970 ، أثناء الصدامات بين المقاومة والجيش الاردني. كما جرى أبعاد حردان التكريتي عن العراق، حيث اختار الجزائر مقراً لاقامته القسرية . وما أن التحقت به زوجته، ببرغم مرضها في الجزائر مساء، حتى فارقت الحياة صباح اليوم التالي . وحينما طلب حردان من السلطات العراقية ، مرافقة جثمان زوجته، لنقله الى العراق، لإجراء مراسم الدفن والفاتحة، رفض الرئيس البكر ذلك، برغم توسط المسؤولين الجزائريين، في مقدمتهم مسؤول جبهة التحرير الجزائرية، السيد ( قائد احمد) الذي تعهد بمرافقة الفريق حردان وجثمان زوجته الى العراق وضمان إعادته معهم الى الجزائر الا أن الرئيس البكر رفض ذلك ايضاً. مما إضطر الفريق حردان، الى دفنها في مقبرة الشهداء( بالقرب من قبر المجاهد عبد الكريم الجزائري). بعد موافقة السلطات الجزائرية.
وفي شهر آذار، زار الفريق حردان التكريتي الكويت، ومعه عدد من أولاده الذين رغبوا بزيارة بغداد، مستغلين العطلة المدرسية، للقاء الأهل والأقارب بالعراق، لكنهم ما أن وصلوا الى بغداد، حتى سمعوا بإغتيال والدهم في الكويت .
وكان المرحوم الفريق حردان التكريتي، قد بعث بثلاثة عشر رسالة ، من مقر اقامته القسرية في الجزائر، الى الرئيس البكر، عن طريق السفارة العراقية هناك، ، والموجودة في هذا الكتاب عدا الرسالتين الثانية والتاسعة التين يبدو انهماا فقدت، ضمن الوثائق التي عثرت عليها مخابرات النظام عقب إغتايل الرفيق حردان.
في هذه الرسائل يقارن حردان، بين غدر عبد السلام عارف، وغدر أحمد حسن البكر، الذي منعه من العودة الى العراق والاقامة فيه، فيقول في رسائله الى البكر: أمرتم أن لايتمتع حتى بحقوق المواطنة، بدليل عدم السماح لي بالبقاء في البلد، وهذا ما لم يفعله إلا عبد السلام عارف ( المرحوم )، حين حلفَ بكل الايمان، أن لا تطأ قدماي أرض العراق، وهو على قيد الحياة، فنفذ أمره. وأنتم على إطلاع بذلك. ورفضتم أن أعيش في بلدي، بدليل إعادتي على الطائرة نفسها ، التي أقلتني من الخارج، الى البلد، لأترك البلد وأعود لأي بلد أجنبي.
وفاة زوجة حردان
وعن ظروف وفاة زوجته يتحدث حردان في رسائله للبكر فيقول : لقد وصلت المرحومة وأطفالها الستة الى مطار الجزائر في منتصف الليل. وكانت تنادي من ألمها وتقول .. ما قالته وما لا أريد ذكره كله. ولا أظنها نامت تلك الليلة. وفجر اليوم التالي – كانت تنازع وتقاوم روحها الموت، الذي سيطر عليها. .. وإرتمت على الارض، وتمرغت بي، وأسلمت روحها لله، وهي بين يداي، والاطفال يصرخون، والجثة بين يدي.
ويواصل الفريق حردان حديثه عن مصيبة وفاة زوجته فيقول ان المصيبة كانت اعظم من وفاتها حينما اخبروني ان البكر يرفض مرافقة جثمان زوجتي لدفنها في تكريت.لكن المسؤولين الجزائريين الذين استغربوا من هذا التصرف وحاولوا التخفيف من المصيبة ، وأحضروا كل شيء لنقل الجثمان الى القبر، الذي إختاروه ، لتكون المرحومة في مقبرة الشهداء ، وقريباً من الشهيد المجاهد الأمير عبد القادر الجزائري ، وحضر الأخوة الوزراء أو ممثليهم ، ومسؤول الحزب ( قائد أحمد) ورفاقه وممثلون عن رئاسة الحكومة، والعلماء والسلك الدبلوماسي العربي ، ومن سمع الخبر الفريق حردان التكريتي ضحية الخيانة والغدر