علوان السلمان
الشعر.. فن تخييلي يعتمد الايهام الصوري بلغة زئبقية على مستوى التشكيل والتأثير..لتحقيق فن الكتابة الذي هو نتاج لتفاعل محدد بعدد لا يحصى من مشارب المعرفة المخزونة في الذاكرة المنتجة لصورها الشعرية المستفزة لذاكرة المستهلك(المتلقي).. وباستحضار النص الشعري (ياحلوة النسوان) الذي انتجته ذهنية الشاعر محمد مصطفى جمال الدين..الذي يعد من اولئك الشعراء الذين اهتموا بجوانب الحياة من خلال مشاعرهم وذواتهم واتقانهم لادواتهم الشعرية واكتناز اذهانهم بمفردات اللغة التي كان لها اثر في كينونتهم ..سيما المفردات التي تقترن بالعاطفة فتحرك الوجدان..كونها تعكس نظرتهم الى الوجود وعلاقاته الانسانية المنبعثة من روحية رومانسية شفيفة..
يا مرحــــــــــباً بحلوة النسوانِ مليــــــــــكةٍ على مدى الأزمانِ
رقيــــــــــــقةٍ أكادُ من رقَّتِـــــها أحوي نجومَ الكونِ في أحضاني
صَبُــــــورةٍ كاظمةٍ لغيــــــــــظِها نَديَّةٍ ليــــسَ لــــــــــــها من ثانِ
فالنص في جوهره نص جمالي يحقق هويته وملامحه شخصية منتجة بتدفق وجداني وتوهج انفعالي تعقد علاقة بينها والطبيعة..كونها ترتبط بجمال حبيبته فاستقى منها رموزه الذاتية شأنه شأن الشعراء الرومانسيين..فصاغ افكاره صياغة حسية بتوظيف تقنيات اسلوبية لها تأثيرها الشعري..فهو يستثمر اساليب اللغة(مجاز/ استعارة/تشبيه..)..كي يضفي جزالة اسلوبية على بناء النص الشعري ومتانة تركيبية تكشف عن جمال المعنى بحرصه على تزويق نصه بالمحسنات البديعية لخلق صوره التي تشكل الوعاء الفني للغته الشعرية التي(تقدم تركيبة عقلية وعاطفية في لحظة من الزمن) على حد تعبير (رينيه) في (نظرية الادب) بنبض عاطفي وتوقد فكري حيث ينعكس خزينه الفكري على نصه كالتناص (كاظمة لغيظها) الذي يشير الى حقل مرجعي يتمثل في قوله(والكاظمين الغيظ..).. وهناك التكرار الدال على التوكيد والمضفي على النص موسيقى مضافة..(فكنتِ لي نعمَ ألوفا شَريكة / وكنتِ لي بدرَ الدجى / وكنتِ لي على المدى حبيبةً)..
شاعـــرةٍ من فرطِ ما قد حَمَـــلَتْ من مُرهَـــــــفاتِ الحِسِّ والبيانِ
إِنْ نَطَــقَتْ فاضتْ على جُلَّاســها باللؤلؤ المــــــــــكنونِ والجمانِ
أو نظرتْ رَشَّتْ عليهم من شذى قِدَّاحِها الممزوجِ بالــــــــــحنانِ
يا سِحرَها سُبحانَ مَن صَــوَّرها حُوريَّةً هلَّتْ من الــــــــــــجِنانِ
تمشي مَــــــــلاكاً كُلَّما أبصرتُها أبصرتُ نــورَ اللَّهِ في انـــــسانِ
فالنص يكشف عن صور حسية/بصرية.. متميزة بالحركية الفاعلة فعلها باسهامها في نموه المعبر عن الحالة النفسية… مع نبرة درامية مستمدة من تفاعل الذات بتجريدية ذهنية تسمو باللحظة الى مستوى التأمل والتأويل..بحكم القيمة الجمالية للتجربة التي تركت اثرها في النص الذي اعتمد فيه الشاعر السرد الشعري اسلوبا للتعبير عن رؤيته وعنصر الحوار المنولوجي باستثمار البحر السريع المتساوق والدفق الروحي واللغة اليومية للتعبير عن خيوط البعد العاطفي والوجداني عبر مجموعة من الصور المحققة لشرطيها الذاتي والموضوعي للتعبير عن جماليات احاسيس انسانية متوافقة مع تناغم بنائي متماسك..
إنَّا تقاسمنا الأذى في بعـــــــدِنا عن عشِّنا في جــــنَّة الأوطانِ
وأينما حلَّتْ نِياقُ رحــــــــــــلِنا عِشْنَا صدىً في خاطر الزمانِ
فنستــــــــــــعيدُ ذكرياتٍ عبقتْ لمَّا تزلْ فوَّاحـــــــــةَ الأماني
ويستردُّ عودُنا شـــــــــــــبابَهُ في باقةٍ زاهرةِ الألــــــــحانِ
الحبُّ فيها زادُنا وظلّـــــــــــُنا لولاهُ قد يُفني النوى بنياني
فالنص بخصوصيته الاسلوبية التي اعتمدت اللفظ اليومي والنسق الشعري الغنائي المكتنز ببوح ذاتي متدفق بانسيابية شفيفة.. مع ميل الى إيقاع موسيقي منسجم..ناجم عن توليف(البحر واللغة والقافية)..مع تميزه بتماسك دلالي ناجم عن تماسك البنية النصية المتمركزة في تيمة شكلت بؤرته المركزية(الغزل)..
وبذلك قدم الشاعر نصا اعتمد معمارا فنيا يتلاءم مع البعد العاطفي الذي يعترف بسلطة الحب على النفس حتى الارق برومانسية حادة تنبثق بدفقات نفسية مشحونة بالاثارة متخذة من المراة قصيدة غزل تمتلك مقومات الجمال والحس والشعور فكانت نصا صامتا يحتاج لمن يستنطقه فكان الشاعر مستنطقا ومنتجا لها بلغة مكتظة بحزمة من الصفات..الكاشفة عن الحب الذي هو(خروج عن الذات)..اضافة الى انه استطاع فيه تجسيد الحالات الكونية التي تدل على الارتباط الوثيق بينه والطبيعة باعتماده خيال غير مجنح لبناء صور فنية بعيدة عن التقريرية لتوليد رؤية تصويرية للوجود..كون الشعر (جنس من التصوير) على حد تعبير الجاحظ..