اعتماد أسلوب القسوة في المعالجة الصورية للفيلم واعتماد الصدام بين أفراد الأسرة
حاوره ـ عبد العليم البناء:
ليس جديدا على مخرج مثل الفنان المبدع جمال أمين، أن يخوض غمار تجربة حياتية والتماهي معها الى أقصى الحدود، لاسيما حين نعلم أنه قد عاشها بقضها وقضيضها، وذاق حلاوتها ومرارتها، وكان من باب أولى أن يعكسها في فيلم روائي قصيرحمل عنوان (نباح)، الذي يضاف الى سلسلة من الافلام الروائية القصيرة، أو الوثائقية الأخرى التي سبق له أن تصدى لاخراجها، وجميعها تتناول المنفى والغربة والهجرة، وبالاخص الجيل الثاني، وما يعانيه شبابنا العراقي في الغرب، فهو امتداد الى فيلم اللقالق، و ياسين يغني، والعتمة الابدية، وفايروس، وجبار.
فيلمه الروائي القصير الجديد (نباح)، اشترك فيه مع السيدة حنان عناد في كتابة السيناريو، وهو من بطولة الحسن النعيمي، ومليكة شيرازي، وشفاء جبر، وجمال امين، وشارك في انجازه طاقم فني ضم الفنانين: مدير التصوير يحيى الحسني، والمونتاج ليحيى الحسني، والصوت لشاكر المدني، والموسيقى موكريان بوبكر، ومساعد مخرج شاكر المدني، والمسؤول التقني وتصحيح الالوان ماجد نصرالله، والاشراف الموسيقي للموسيقار علاء مجيد، والفيلم من انتاج فيلم ارت – غولدماس.
يتحدث فيلم «نباح» الذي تبلغ مدة عرضه 20 دقيقة عن عائلة مكونة من أب، وابن، وبنت، يعيشون في بيت واحد في لندن، والابناء مندمجون بالمجتمع الأوروبي، ونرى بأنهم غير متفقين مع بعض، ولديهم الكثير من المشكلات، وبغية الوقوف عند حيثيات هذه الفيلم وصناعته شكلا، ومضمونا، وتمثيلا، وتصويرا، واخراجا، كانت لنا هذه الجولة من الحوار مع مبدعه الفنان المخرج جمال أمين.
*ماالفكرة التي ينطوي عليها الفيلم …؟
– هو فيلم اجتماعي حديث يناقش ضياع الجيل الثاني من المهاجرين هنا في أوروبا، من خلال اسرة متكونة من أب وابن وبنت، يعيشون هنا في لندن، وهذه العائلة تعاني من تفكك كبير، وعدم وجود تناغم وإلفه فيما بينهم، وذلك لتأثر الاولاد بقيم الغرب، وخاصة أنهم مندمجون بنحو سلبي جدا، اضافة الى تأثير وسائل السوشيال ميديا على الشباب.
* وكيف كانت المعالجة السينمائية للفيلم…؟
– لقد اعتمدت اسلوب القسوة في المعالجة الصورية للفيلم، واعتماد الصدام بين افراد الاسرة، مما يجعلهم غير متناغمين، أو عدم وجود اي احترام فيما بين الأولاد، مما ينعكس سلبا على علاقتهم بالوالد، وهو ذلك الاستاذ الجامعي الذي ربى اجيالاً على مدى 40 سنة من عمله مدرساً في الجامعات، وكذالك التركيز على عدم توازن سلوك الابن هادي، وادمانه المخدرات من دون علم ابيه، وجلوسه الدائم في غرفته، وهذا ينطبق على البنت هنادي التي تمارس كل رغباتها من خلال اللابتوب، وفي غرفتها الخاصة، إنهم أي «الأسرة» يعيشون في بيت واحد، لكن كل واحد منهم يعيش وينغمس بعالمه الخاص.
*وما الرسالة التي أردت ايصالها عبر الفيلم …؟
– الرسالة واضحة جدا، وهي أن الهجرة الى الغرب لها مالها من مشكلات، وارتباكات، وانهيارات، لدى الجيل الثاني، حيث يعاني من ازدواجية الثقافتين، وازدواجية المعايير، والقيم، بين البيت والشارع .ان الجيل الثاني هنا في اوروبا يعاني الامرين من قيم البيت وقيم الشارع.
*وما خياراتك على صعيد الممثلين ؟ ولم لجأت الى هذه المجموعة من الشباب من دون المحترفين…؟
– لقد تم اختيار الممثل الموهوب والمبدع الحسن صفاء النعيمي، وهو ممثل له موهبة كبيرة على صعيد الأداء، وهو أحد تلاميذي في الورش السينمائية التي عملتها في المركز الثقافي العراقي سابقاً، وهو الان طالب في معهد السينما، ولديه احساس عالي في ادائه للدور. كما اني اخترت الشابة الايرانية مليكه شيرازي في ثالث تجربة لها في السينما، وهي بعمر 17سنة، وكانت معقولة الى حد كبير في تجسيد شخصية هنادي، البنت المستهترة بكل القيم العائلية، وكذالك شرفتنا في الفيلم كضيفة المبدعة شفاء جبر، وكانت قد لعبت دور صديقة الأب، وأنا جسدت شخصية الاب في أول تجربة لي كممثل في فيلم من اخراجي، وقد كنت مسترخيا الى حد الاندماج الكلي بالدور وهذا ماقاله النقاد لي.
* وما الذي دعاك لذلك…؟ أهو حبك للتمثيل أم لعدم وجود من يملأ الشخصية أو يجسدها كما ترى؟
– نعم كنت انا الذي قام بدور الاب، وهو دور صعب، وله ارهاصاته وانفعالاته الكبيرة، نظرا لخراب هذه العائلة، ولأني أعيش أرمل من دون زوجة، وعلاقتي غير المحددة مع صديقتي شفاء، كما أني أجسد في الفيلم عدا عن كوني أب واستاذ جامعي، فأنا شاعر وكاتب، ولي تجربة سياسية ونضالية، كل هذه الامور التي اجتمعت بشخصية الاب، جعلتني اتمنى لعب الشخصية، كما ان الجانب المادي للانتاج يجعلني اقوم بمهمات عدة في الفيلم، وهذه الشخصية من الشخصيات التي أحببتها جدا لذا انقضيت عليها.
* وهذا يقودنا ايضاً الى السبب الذي دعاك للمشاركة في كتابة السيناريو ، في وقت انت فيه سيد العمل نسبة لقيامك بمهمة الاخراج ؟
– إن السينما المستقلة تعتمد بنحو كبير على العمل بتكاليف بسيطة، وهي كذلك تعد من نوع سينما المؤلف، وهذا النوع من السينما لايتسم بالبهرجة وضخامة الإنتاج، بقدر ما يعتمد على المنحى الفكري للفيلم، إن كاتبة السيناريو، و هي زوجتي الشاعرة والرسامة حنان عناد، والتي كانت زميلتي في الدراسة في قسم السينما، لقد كنت مشاركا لها في كتابة السيناريو، لاني اعجبت جدا بالفكرة، وهي فكرة غير تقليدية بالنسبة لفيلم عراقي مغترب، اذا ما علمنا أن اغلب الافلام العراقية المغتربة تعتمد بنحو كبير على الماضي، والذكريات والانستلوجيا.
*بعد كل هذا .. ما الذي تراهن عليه في هذا الفيلم؟
– أنا أراهن على فكرة الفيلم، وطريقة ادارة الصراع، وطريقة تفجير الصراع، والصدمة التي يحدثها الفيلم لدى المشاهد، إنني أدق ناقوس الخطر لدى العائلة العراقية المغتربة، وكذلك العائلة العربية، والفيلم رسالة واضحة في أن الغرب ليس فقط الرفاه والجمال والراحة والنقود، بل هنالك ضياع لدى الكثير، من ابناء المهاجرين من الجيل الثاني والثالث.
*وما الذي يميزه عن بقية افلامك التي قدمت فيها ثيمات مقاربة ؟
– هذا الفيلم هو ضمن سلسة افلامي الكثيرة الروائية او الوثائقية، وجميعها تتناول المنفى والغربة والهجرة، وبالاخص الجيل الثاني وما يعانيه شبابنا العراقي في الغرب، فهو امتداد الى فيلم اللقالق، والى فيلم ياسين يغني، والعتمة الابدية، وفايروس، وجبار، وهكذا، فان ابطالي هم من الذين عانوا ماعانوه في العراق، وعند هجرتهم أو هربهم الى أوروبا، اصطدموا بضياع الابناء، أي الجيل الثاني من العراقيين، وتلك طامة كبرى لا يحس بها الا من يكتوي بنارها..
* وهل هناك مشاركات مقبلة للفيلم في مهرجانات محلية وعربية ودولية ؟
– لقد تم طلب الفيلم من قبل احد المهرجانات ، لكني لحد الان في مرحلة تصحيح الالوان والترجمة الى اللغتين العربية والانجليزية، وقريبا سأعلن عن المشاركات المقبلة، واكيد سينطلق الفيلم مثل بقية افلامي الاخرى الى العديد من المهرجانات السينمائية.
*كلمة أخيرة..
– اقولها لكل العاملين في الفيلم: لقد كنتم مبدعين جدا بما قدمتموه من جهد كبير في الفيلم، وانني أعد الجمهور العراقي بانه سيتم عرضه قريبا، نظرا للكثير من طلبات العرض التي تصلني، ولا يسعني في النهاية إلا أن اشكر جريدتكم الراقية، واهتمامها بالفن والفنانين، وأشكرك أخي وصديقي الاستاذ عبد العليم البناء، لما يقوم به من جهد كبير في متابعة الفن والفنانين.