الدور الأميركي المقبل في سوريا

مع العمل على إيجاد استراتيجية جديدة
يوسف صداقي

تحتاج إدارة الرئيس دونالد ترامب اليوم لاتخاذ قرار نهائي في ما يخص استراتيجيتها في محاربة الإرهاب والحرب الدائرة في سوريا، فالكونغرس الأميركي يحتاج لتلك القرارات للبت بمشروع الإنفاق الحكومي الذي تقدمت به إدارة ترامب على أن تتضمن هذه الاستراتيجية وصفاً محدداً للأهداف السياسية تجاه الحكومة السورية والأطراف الفاعلة في المنطقة.
أما ما تبقى من القوات العربية على الأرض السورية والتي ما زالت تحتفظ بالحد الأدنى من مبادئ الثورة تعاني من مصاعب كبيرة، ومخاطر قاتلة. فالموارد المالية المتاحة لا تغطى احتياجاتها الأساسية، والدعم العسكري غير المستقر أساسا يتطلب العديد من التنازلات.
و لعل أخطر التحديات هو انتهازية الفصائل السلفية الجهادية و استغلالها عدم استقرار الدعم المقدم للفصائل الثورية لتفرض عليها التبعية لها في القول والفعل حتى ترضخ، والا فان الإسلاميين يبدؤون بحربهم واستهدافهم من حملات اعتقالات واغتيالات، وإعدامات للقادة ، كما فعل جيش الإسلام حين قرر تدمير جيش الأمة في الغوطة الشرقية، أو حتى الاشتباك المباشر كان له وجود في العديد من المناسبات منها ما فعلته فتح الشام النصرة سابقا في هجومها على الفرقة ١٣ احدى فرق الجيش الحر في إدلب، و استعمال جيش الإسلام الدبابات ضد فيلق الرحمن .
وحسب مسؤولين في البيت الأبيض فان وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان المشتركة يعارضون إرسال المزيد من القوات إلى سوريا. بينما يبرز جناح عسكري داخل البنتاغون يسعى لإنتاج نسخة أكثر قوة من التي تم اعتمادها خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. على رأس هذا الجناح يبرز الجنرال ماك ماستر، مستشار الأمن القوي . وتدرك الولايات المتحدة أنها لا تواجه تنظيماً متراصّاً هناك ممثَّلاً بتنظيم القاعدة، بل نسيج معقّد من الميليشيات المحلية، إذ يؤمن كل من ماك ماستر وديفيد بترايوس أن استعمال تلك الاختلافات سيخلق فرصا للتعاون مع شركاء محتملين في مواجهة الأعداء المشتركين الأشد تطرفاً. ويتمثّل هدفهم في تهميش المتطرفين العنفيين، داحِضين ادّعاءهم بأنهم يتكلّمون باسم الإسلام، وذلك عبر تسليط الضوء على الهوّة التي تفصل بينهم وبين الغالبية الساحقة من المسلمين.
ويعمل بترايوس جاهدا على إقناع الرئيس بتبني خطته التي اقترحها في عام 2015، والتي تقضى بمحاولة فصل «المجموعات التي يمكن أن تكون جزءاً من الحل» عن تنظيم القاعدة، ووضعها في مواجهة تنظيم «داعش» ونظام بشار الأسد. الخطة تتضمن إرسال عدد كبير من القوات الأميركية تكون جنبا إلى جنب مع الحلفاء المحليين لتحرير المناطق من سيطرة القوى المتطرفة، وبعدها سيكون الجيش الأميركي متواجدا على الأرض في بلد كان محتكرا لعقود من الجانب الروسي. الأمر الذي يحاربه كبير الاستراتيجيين في البيت الأبيض ستيف بانون والذي يعد هذه الأفكار هي سعي لبدء حرب عراقية جديدة على حد وصفه.
بعد الضربة الصاروخية التي وجهها الجيش الاميركي إلى مطار الشعيرات بدأت ملامح خطة ماك ماستر تتضح، فالجيش الاميركي الآن يدفع إلى رفع مستوى قواعد الاشتباك للقوات الخاصة الاميركية والسماح باستعمال الحوامات الهجومية. وحيث أن قيادة التحالف الدولي باتت تعتمد بنحو كبير على قواعد ومطارات هيأتها داخل الأراضي السورية وكردستان العراق يستقر فيها آلاف الجنود بمن فيهم الاميركيون والألمان والإيطاليون والفنلنديون والبريطانيون فأن عملية تأهيل القواعد الجديدة يعطي انطباعا أنها لن تكون مؤقتة، حيث تم استبدال الخيام المؤقتة وقاعات الطعام ومراكز عمليات الوكالات الاستخباراتية وقوات المهام الخاصة بمباني دائمة. كما تستقبل احدى القواعد في كردستان العراق خمسة أنواع من الحوامات الحربية التي تستعمل كجسر جوي لنقل الجنود وما يلزم من دعم لوجستي لمناطق العمليات الفرعية في سوريا والعراق. منذ الأسبوع الأخير من شهر أذار/ مارس الماضي أصبح لدى قوات التحالف ما مجموعه خمس منشآت عسكرية جوية في المنطقة، وحيث أشار مسؤول أميركي في لقاء مع «فويس أوف أميركا»، أن المهندسين والطاقم الاميركي يعملون على إصلاح وتجهيز المطار القريب من سد الطبقة، كما أشارت بعض التقارير الإعلامية أن الحوامات الاميركية تقوم بنقل قادة وعناصر من «قسد» بين المناطق تجنبا لأي اصطدام مع القوات الأخرى على الأرض. الأمر الذي أكده الجنرال الاميركي كارلتون ايفرهارت قائد قيادة الحركة الجوية للقوات الجوية ل «فويس اوف اميركا» أن رجاله نقلوا جوا من قوات الدفاع الذاتي وراء خطوط تنظيم « داعش» للسماح لهم بشن الهجوم الذي استولى على المطار.
ليكون لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الاميركية الحرية في التحرك واتخاذ القرارات التي تناسب الرؤية الأميركية من دون التعرض لمضايقات الدول المضيفة كتركيا التي تستغل قاعدة انجرليك ووجودها في أراضيها بهدف الضغط على الإدارة الاميركية للكف عن دعمها للقوات الكردية، قامت الإدارة الأميركية بالتأكيد على دور قوات سورية الديمقراطية في المعركة من أجل الرقة. حيث أن دعم وتحالف الجيش الاميركي لفصائل محددة كقوات سورية الديمقراطية اثبت فعالية وجدوى من ناحية التكتيك العسكري، وهو ما لا يحقق أهداف ماك ماستر كاملة، فمن خلال تجربته في العراق يدرك أن التحالف مع الأكراد فقط هو من دون جدوى استراتيجية حقيقية، حيث انه من غير المنطقي استيلاء الأكراد على الأراضي العربية وحكمها مما قد يولد صراعاً جديداً في المنطقة وهو ما لا تتمناه الإدارة الاميركية أن يحدث.
جناح ماك ماستر لديه يقين بأهمية إيجاد قوات عربية سنية لتكون حليف لها على الأراضي السورية لتحقيق هدف تدمير تنظيم « داعش»، وتحقيق ما وعد به الرئيس الاميركي دونالد ترامب خلال حملة الانتخابية القضاء على الجماعات الإسلامية المتطرفة، وإقامة مناطق آمنة في سوريا. لكن اختيار الشريك العربي من الفصائل السورية المقاتلة على الأرض أمر معقد جدا بالنسبة للقيادة الاميركية، فالأولوية الاميركية الأن هي القضاء على تنظيم «داعش»، بينما تصر القوات العربية على أولوية قتال النظام. وهذا التضارب لا يمكن التغلب عليه بسهولة، بسبب الخريطة السياسية والعسكرية المعقدة في سوريا إضافة إلى العلاقات الدولية المتوترة. كما أن أغلب المجموعات العربية السنية التي تقاتل اليوم في سوريا تعتمد تحركاتها وتوجهاتها على الارتباط بالمخابرات التابعة للدولة المعنية بالشأن السوري. وخلال سنوات الثورة، تحول دور تلك المجموعات من قوات عسكرية منظمة إلى ميليشيات وعصابات يمارس بعضها حتى عمليات الاغتيالات والتصفية لكتائب أخرى في سوريا.

*عن منتدى فكرة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة