التحكّم بجزئيات المحكي في (أرى وحدتي..ولا أراني)

علوان السلمان

النص الشعري..المزاوجة بين الحسي(الواقعي) والذهني(التخييلي) لخلق العمق التصويري باعتماد مجسات ابداعية وتكنيك فني لبناء نص شعري مشبع بالدهشة من خلال وحدة التعبير عن الجمال وكوامن الذات ووجدها والقيم الاجتماعية ومكنوناتها مع تركيز على المعنى ايجازاً وتكثيفاً..للارتقاء بالمفردة الرامزة الى مستوى دلالي لاحداث المتعة الفنية..الجمالية والمنفعة المتسائلة..
و(ارى وحدتي..ولااراني)..المجموعة الشعرية التي قدمت تجربة حياتية لمنتجها الشاعر رحيم زاير الغانم..واسهم المركز الثقافي للطباعة والنشر في نشرها وانتشارها/2016..كونها تكشف عن تدفق عاطفي ورؤية مكثفة بنصوصها المتفاوتة المدى الطولي..فقدمت نصاً مركزاً مختزلا مقتصدا في الفاظه متمثلا في النص القصير جدا(الوامض) ونص متدفق بانسيابية ينم عن وعي شعري يتسم بالعفوية النافذة الى الذاكرة بفكرته المعبرة عن القيم بسردية شعرية وشكل متجاوز للتقليدية والقوالب الجاهزة بلغة يومية…
في المساء
يحلو البوح
حيث انتِ والموقد
تتعانقان
تتبادلان الدفء
وابادلكما الاشتعال
لتضاء الروح /ص12
فالنص بجمله الشعرية المكثفة يكشف عن الحالة النفسية القلقة..المتوترة عن صوره الموحية بتوقها للتوحد والخروج عن الذات..بسردية شعرية تتجلى في التكثيف الجملي والايجازي المختصر للمسافات والمحرك للحواس الشعورية عبر آفاق فضائية منفتحة على دلالات مشبعة بها الذاكرة الشعرية المنتجة لصورها الشعرية التي تتضح في كونها قيمة اجتماعية وموقفاً انسانياً..اضافة الى قيمتها الجاذبة ببنيتها الانزياحية…

فقدَ قدرة الوقوف
لكنه ظل محتفظا
بقدميه
قاطعا المسافات
دون اكتراث للاطراف
او فكرة استبدالها
بالاجنحة /ص22
فالنص على المستوى التخييلي يتمثل بتماهي الذات المنتجة(الشاعرة) بتدفق وجداني منبعث من دائرة الوعي الشعري المؤطر بعوالمه الصورية ودلالاته الموحية بتقنيات فنية واسلوبية كالرمز الاستعاري الذي هو اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة لغرض تصعيد التكنيك الشعري..اذ فيه تسمو التجربة الشعرية فتتحول الصورة الحسية الى رؤية تستمد نبضها الدافق من الذاكرة الذاتية والموضوعية بتوليفة تجمع مابين الواقعي والتخييلي..بلغة مشحونة بايحاءاتها الخالقة لصورها المحركة لذاكرة المستهلك(المتلقي) والنابشة لخزينه المعرفي من اجل استنطاق الصور والكشف عما خلف الالفاظ وتشكلها الجمالي الرافض للتأطير والموقظ لمكامن الشعور..

سأصمت…
حداداً على حروفي
التي احترقت امامكِ
وانتِ مسورة بغرف الزجاج
عيناك تنظر حفيف الشجر
اعواد التوت المتساقطة للارض
ولا تراني.. /ص83
فالنص تتزاحم صوره الموحية بتوق التوحد بالذات الآخر وجوداً وفعلا وتفاعلا..فيكرس الشاعر دلالات انسانية عميقة في حالة صيرورة دائمة من خلال التحكم بجزئيات المحكي ووضعها تحت سلطة المتخيل..كونه قيمة محركة للوجدان ..فضلا عن قيمته الجمالية المستفزة من خلال ما يكشفه من عاطفة انسانية تختلج في نفسه حتى انه يوظف الجسد برمزية اللفظ(عيناك) للتعبير عن انفعالاته وما يختمر في نفسه بعزفه على اوتار الاخر روحياً واشارياً ليخلق ايقاعاً يستفز الذات(الانا) والمستهلك(الموضوع) الذي يستنطق عوالم النص ويكشف عن ابعاده الاجتماعية والنفسية…
وبذلك قدم الشاعر نصوصاً تعتمد الجملة الشعرية القصيرة التي تتشكل على وفق هندسة بنائية تعتمد اللغة اليومية الخالقة للصور والمفارقة التصويرية المفاجئة باستعمال اللفظ سياقياً وتركيبياً.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة