في ظل التوقعات بالتوصل لاتفاق كبير بين البلدين
دينيس روس*
جاء اجتماع ترامب وبوتين على هامش قمة دول مجموعة العشرين في وقت مهم. ولا يعود سبب ذلك إلى التحقيقات [الجارية في الولايات المتحدة] حول ما إذا كان هناك تواطؤ خلال مدة الانتخابات الاميركية أو بسبب احتمال التوقيع على اتفاق كبير بين الولايات المتحدة وروسيا؛ فهذا أمر غير مرجّح – فروسيا لن تتخلى عن نفوذها في شرق أوكرانيا أو تبتعد عن بشار الأسد. حيث يعد بوتين أن أوكرانيا هي جزء من دائرة نفوذ روسيا بينما تضمن سوريا موطئ قدم جديد لروسيا في الشرق الأوسط – ولن يكون أي منهما بمنزلة أصول قابلة للتداول بالنسبة لبوتين.
فلماذا كان هذا التوقيت مهماً؟ الجواب لأن الوقت قد حان لإعادة وضع قواعد أساسية للعلاقات [بين البلدين]. فبوتين يحب القول بأنه ينبغي أن لا يكون هناك أي تدخل في الشؤون الداخلية للآخرين – ولكنه لا يعني بذلك سوى عدم التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا؛ فمن الواضح أنه يتدخل في السياسات الداخلية للآخرين، ويجب أن يتوقف عن ذلك. ووفقاً لما ذكره وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون، تناول الرئيس ترامب بإصرار موضوع تدخل روسيا في الانتخابات الاميركية. وبغض النظر عما إذا كان على المرء قبول شرح تيلرسون أو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشأن المحادثات، من الواضح أن إدارة ترامب ترغب في “التطلع إلى الأمام” ولا تهتم كثيراً في فرض أي ثمن على تدخل روسيا. صحيح أنها ليست الطريقة المناسبة لردع المزيد من هذه التدخلات من قبل الروس، لكن بوتين قد يتخلى عن القيام بخطوات مماثلة على أمل بناء علاقته مع الرئيس ترامب.
أتمنى أن يكون الرئيس الاميركي قد استغل محادثته مع بوتين من أجل وضع بعض القواعد الأساسية، من بينها التعاون [في المجالات التي] تلتقي فيها مصالح الولايات المتحدة وروسيا – على سبيل المثال، فيما يتعلق بالانتشار النووي والإرهاب والمخدرات. أما [في المجالات] التي تتباعد فيها هذه المصالح، في موضوع إيران على سبيل المثال، فستحاول الولايات المتحدة وروسيا إدارة خلافاتهما ومعالجتها.
وخلافاً للرأي السائد، فإن بوتين لا يحب المخاطرة إلى حد كبير. فاستعانته بالقوات المعروفة بـ”الرجال الخضر” في بداية التدخلات الروسية تمثّل طريقته في اختبار رد الفعل والحفاظ على الإنكار وتجنّب بروز أي خسارة إذا كانت هناك ردود فعل سلبية كبيرة – فقد أرسل قوات من دون شارات أو بزات عسكرية، ليُعلن في وقت لاحق فقط أنهم روس ذهبوا للتطوّع. لكن ما اكتشفه مع إدارة أوباما هو أن ردود الفعل قد تكون محدودة جداً – حيث لن تُقدَّم أي مساعدة فتاكة لأوكرانيا، الأمر الذي ربما كان سيزيد التكاليف على الروس؛ ولن يكون هناك ردّ على تدخل روسيا الخفي في سوريا من خلال زيادة تزويد الأسلحة لأولئك الذين يقاتلون نظام الأسد. وحيث يجد بوتين مقاومة ضئيلة أو معدومة، سرعان ما يستغلّ ذلك.
ويمكن للمرء أن يستنتج من قراءة تيلرسون لاجتماع هامبورغ ما إذا كان قد تمّ وضع مثل هذه القواعد الأساسية وما إذا أصبح بوتين يدرك أنه سيواجه رداً حين يتخطى بعض الحدود. ولم يذكر تيلرسون شيئاً عن العقوبات الحالية المفروضة على الروس، ويُعد ذلك بمنزلة إشارة جيدة. وإذا ما أريد احترام الحدود، فإن التراجع عن العقوبات من دون إقدام روسيا على تطبيق اتفاق مينسك فعلياً بشأن أوكرانيا سيكون خطأ. وفي سوريا، يبدو أنه تمّ التوصّل إلى تفاهم حول إقامة منطقة آمنة من نوع ما في جنوب سوريا قبالة الحدود الأردنية. وبالطبع، هذه ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها التوصّل إلى اتفاقات مع الروس بشأن سوريا؛ إن الدليل على أن هذا الاتفاق مختلف سوف لن يظهر سوى عندما يفرض الروس ثمناً على نظام الأسد عند انتهاكه هذا التفاهم لا محالة. وما لم يفهم بوتين أن الولايات المتحدة ستعاقب نظام الأسد إذا فعل ذلك، أخشى أن يكون مصير هذا الاتفاق كسابقاته.
ولو لم يقل وزير الخارجية الاميركي أن الروس قد يكونون على حق أكثر من الولايات المتحدة في سوريا، لربما كنت أشعر بثقة أكبر حيال هذا الاتفاق، لا سيما وأن كلماته تشير إلى أن واشنطن تقبل بما تفعله روسيا في سوريا. وبغض النظر عن قصفها المكثّف للمدنيين، تساعد روسيا حالياً إيران على بسط نفوذها – حيث تقوم الجمهورية الإسلامية ووكلائها من الميليشيات الشيعية ببناء ممر أرضي عبر العراق وسوريا إلى لبنان، مما يعكس هدفها في محاولة السيطرة على الحدود السورية مع العراق والأردن وإسرائيل. وعلى الرغم من تركيز واشنطن مساعيها على تنظيم «الدولة الإسلامية»، يجب على بوتين أن يدرك أن الولايات المتحدة ستعرقل أي نتيجة قد تزعزع استقرار الأردن وتفتح جبهة ثانية خارج لبنان ضد إسرائيل.
ومن المفارقات، أن مثل هذا الموقف قد يكون متسقاً مع التفاهم الذي أعلنه تيلرسون – على افتراض أن الروس سيحترمون هذه الحدود ويتوقفون عن توفير الغطاء الجوي للميليشيات الشيعية وسط سعيها إلى التوسّع نحو شرق سوريا وجنوبها. من جانبها، لن تهدد الولايات المتحدة المراكز الروسية أو السورية أو الإيرانية/الشيعية القائمة. فسيتمّ احتواء الوجود الإيراني وليس معارضته. وستقبل واشنطن بما هو قائم وباحتمالات تقسيم سوريا فعلياً.
هذا هو نوع الاتفاق الذي سيفهمه بوتين. فهو لن يُصلح سوريا لكنه سيوقف سفك الدماء وقد يساهم حتى في جعل إقامة مناطق آمنة للاجئين ممكنة. كما سيُضعف التوسّع الإيراني ويُطمئن دول الخليج بأنه سيتمّ احتواء التهديد الإيراني – وهو شيء قد يمنح هذه الدول محفزاً لتقليص الصراعات الطائفية في المنطقة.
صحيح أنه ليس اتفاقاً كبيراً، لكنه قد يكون انطلاقة جيدة للرئيس ترامب ليبدأ بالتعامل مع بوتين.
*دينيس روس هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن .