قوة الشعر في ملحمة كلكامش

تجمع الدراسات التي تناولت ملحمة كلكامش، بأنها نص شعري. طه باقر يرى ان الملحمة نظّمت بالشعر البابلي، مثلها مثل النصوص الأدبية الأخرى. ويقول فراس السواح في مقدمة كتابه: هو الذي رأى.. اعداد درامي لملحمة كلكامش عن النصوص الأصلية: ملحمة كلكامش، اول قصة في الادب الانساني، وهي عبارة عن نص شعري طويل منقوش باللغة الأكدية البابلية. اما فوزي كريم، فقد اعتبرها في كتابه الصادر حديثا: القلب المفكر: اول قصيدة مفكرة. وغيرها الكثير من الدراسات. فن الشعر في ملحمة كلكامش هو كتاب صلاح نيازي الصادر عن دار المدى عام 2007. يتحدث في المقدمة عن قوة وعظمة الملحمة. يقول في المقدمة: ما السر في عظمة هذه الملحمة؟ في تأريخيتها؟…. لا ريب ان مؤلف ملحمة كلكامش شاعر حاذق، فتقنياته في صناعة الشعر، لا تقل عن تقنيات اي شاعر معاصر عربي او اجنبي. وربما بهذه التقنيات انسحر ريلكه، كما انسحر الشاعر الانكليزي المعاصر ديفيد الذي ترجم الملحمة مؤخرا الى اللغة الانكليزية شعرا. ويواصل نيازي: ولكن ما من احد خصص دراسة خاصة لهذه التقنيات.. وبهذا يشخص نيازي، فراغا مهما، في الدراسات الكثيرة التي تناولت الملحمة. ونيازي، لم يزعم انه تناول تلك التقنيات في كتابه هذا، ولكن عنوان الكتاب: قوة الشعر. توحي الى القارئ بأنه يتحدث عن جانب واحد في النص وهو الشعر. على عكس الكتاب الذين تناولوا الملحمة، كان تولد فكرة الكتابة عنها، ليس نتيجة لتعمق الكاتب بالنص ومحاولة الغوص فيه، لاكتشاف المزيد من الصور والثيمات التي لم يصل اليها احد، بل لأنه اطلع على كتاب صادر باللغة الانكليزية. المشكلة ان نيازي، يحيل قارئه الى مراجع واسماء باللغة الانكليزية، دون حتى ترجمتها، وهو أمر يستدعي من القارئ بذل جهود مضاعفة في سبيل التوصل الى المصادر والاشارات التي جاءت في الكتاب. ويدور هنا سؤال مهم: ما دامت الملحمة كتبت شعرا، فإن الكتاب يتناول قوة ذلك الشعر في الملحمة. هذا التصور قد يتبادر الى قارئ الكتاب. لكن الاطلاع على مضمونه والمواضيع التي جاء بها، نجد انه تحدث عن قضايا تناولها الآخرون بالبحث، كموت انكيدو، قصة الطوفان، العودة الى اوروك، رثاء كلكامش لأنكيدو. يتحدث نيازي في فصل واحد فقط عن الوزن الشعري في الملحمة اذ ينقل لنا رأيا لكاتب انكليزي يقول: ان نسخة ملحمة كلكامش المدونة باللغة الآشورية مكتوبة بشعر موزون حر، وفي كل شطر منه أربع نبرات، أو وحدات ايقاعية بينما النسخة البابلية القديمة فأشطرها أقصر، ولكل شطر وحدتان ايقاعيتان. وتناول طه باقر وكيف انه حاول تقليد الغربيين، لكنه لم يدلنا على تفعيله واحدة، حسب تعبير نيازي. الكتاب هو اضاءة مهمة للملحمة، تضاف الى عشرات الدراسات التي تناولت الملحمة، وهو ليس الأخير، فالملحمة، خصبة لدرجة انها تقول لمن كتب عنها: هل من مزيد! لكن السؤال هنا: هل تحدث الكتاب عن قوة الشعر في ملحمة كلكامش؟
سلام مكي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة