صباح محسن كاظم
حينما أطلق محمود درويش تلك العبارة : لو أردت أن تكون شاعراً فكن عراقياً ..لم يُجانب الصواب ..فوطن الشعر والملاحم والتراتيل من ملحمة كلكامش إلى الجواهري ..القوافل من الشعراء تتبعها القوافل من المبدعين ..الشعر يتناسل بأرض العراق، والشعراء بعدد نخيله ..وقد كُتبت عشرات الدراسات والمؤلفات عن شعراء العراق من المتنبي إلى من أصدر ديوانه الأول من المبتدئين المعاصرين. لكن هذه الدراسة أعدها رحلة علمية ،وتحليلية ، استحق صاحبها عليها نيل الدكتوراه ، فلقد حضرت من عام 80 لليوم عشرات المناقشات للرسائل الجامعية معظمها اعتمد الجمع لجهود من سبقه –ربما حتى لا يذكر المصادر- وكأنه من بذل جهده العلميّ لوحده ، المنهجية بهذه الأطروحة حققت الأثر المرجو ،لذلك تستحق القراءة ،والثناء بتعاطيها المعرفيّ والجماليّ وفق التحليل النقدي العميق بهذا الكتاب المهم ( خطاب الآخر في الشعر العراقي السبعيني التلقي والتأويل ) للدكتور علي هاشم طلاب الزيرجاوي / الصادر عن دار البصائر – بيروت /ب373 صفحة ورد بمقدمته ص8 : (( ….لذا كان لابد للبحث من تحديد الخطاب بوصفه رسالة مكتوبة يمكن إيصالها بلفظة أو تركيب أو نص هو في المراتب العليا من الإرسال (الخطاب) ، والآخر المتكوّن الجديد من الأنساق اللغوية والتراثية والثقافية والتقانات الحديثة بوصفها ممثلات ومثيرات وقيم تسهم في تشكّل الخطاب وإظهار الآخر المتشكّل الجديد….)).فصل «المؤلف» الخطاب لغةً واصطلاحاً ، والقدرة التواصلية والفاعلية القصدية أساس الخطاب والمرتكزات في إيصال الرسالة الموجه إلى متلقٍ له القابلية على أن يصبح منتجاً آخر يتكئ على عوامل عدة (الزمن ،والوعي ،الإفهام ،الإدراك ،والواقع ) سواء كان ذلك على المستوى الإيديولوجي أم الإنثروبولوجي ..ويتخلل الفصل الأول مباحث لمليء الفراغ في المفاهيم وتفاصيلها وشروحاتها و علاقة الخطاب بالآخر بالمنجز السبعيني ففي المبحث الثاني من الفصل الأول درس «المؤلف « بعمق وجد خطاب الآخر الألسني
أ- الخطاب المنطوق ب- الخطاب المكتوب ليعرج بالمبحث الثالث على الخطاب السبعيني، واسلوبية التلقي ثم العودة إلى الأصل اللغوي الكبير (القرآن الكريم ) ..في ص17 : (( ثمة شبه إجماع بين الشعراء والنقاد الحداثيين على خاصية الانفتاح الخطابي ولاسيما القصيدة الحديثة على الرغم من تعدد المسميات لذلك الخطاب وتعدد الآراء في مفهوم العملية التواصلية واختلافها على مر الأجيال الشعرية والمدارس النقدية …..). وفي الفصل الثاني من ص 95 – 142 الخطاب الإعجازي والآخر وفي الفصل الثالث الخطاب السيميولوجي التأويلي وفق رؤية تحليلية بنقاط 1 – الإشعاع الأسطوري 2 – الأسطورة لمحة رمزية 3 – تطويع العنصر الأسطوري 4 – الزمكان المقدس الإسطوري 5 – أسطرة الحكاية فيم بالمبحث الثاني من هذا الفصل اشتغل الدكتور الإزيرجاوي على موضوعين 1 – التراث والعنونة 2 – الاغتراب الذاتي ..يؤكد في ص 163: ( يُشدّد الخطاب السيميولوجي على آلية التوليد التي تتضمنها الخطابات إذ تجعلها قادرة على الإفصاح عن أنظمتها السيميولوجية وتمنحها فاعلية إنتاج الدلالات في سياقها الثقافي والتاريخي وفتح آفاق المشاركة الفاعلة بوساطة القراءة والتلقي الدائمين بفضل ما توفره من تأويلات تسهم في إنتاج خطابٍ آخر بأنساق متعددة ومرجعيات مختلفة تسهم بالمشاركة في تحقيق أكثر من آخر في طيات الخطاب وقراءته.)
وقد أشبع الفصل بحثاً، وتنقيباً ،وشرحاً ،وتفكيكاً ..لنصوص شعرية درسها بعمق متناه وحفريات جماليّة تتساوق مع ماهية رؤى الشعر ،ووفق قراءة تحليلية ترتبط بشروحاته عن الأسطورة ،والتركيز على اسطورة كلكامش في النص الشعري العراقي لأجيال شعرية مختلفة ..من عصور شتى وأزمنة عديدة حللها المؤلف وفق منظومة النقد التأويلي والتفكيكي لبنية أنساق تلك النصوص بمخططات الفهم والتحليل للخطاب من ص 163إلى ص 234..يذكر د-علي في ص 172 : ( اللغة والذات تقدمان الأسطورة بشكل مختلف عن بنائها المعقد وعلى القارئ أن ينسج بناءً آخر مختلفاً عن بنائها المعقد أو أكثر تعقيداً، وهذا ما نلمسه في الخطاب السابق ، إذ استبدل بالملحمة الحقيقية ملحمة خيالية مثلتها الذات الشاعرة ، لتصنع خطاباً جديداً يحمل من الغرائبية ما تحمله الأسطورة الحقيقية بأسلوب خرق اللغة ودوال الأسطورة وخرق الزمان والمكان عندما جعل للبحر لجاماً سوف يمتطيه ويحث الخطى بقلبٍ سليم بعيد عن الاضطراب والخوف ،فيستدعي المكان الواسع القلق والزمن الآني المعيش لغة ……).بالطبع يتجلى الحضور الأسطوري بالرمز الذي يعتمده الشاعر ،وأحياناً يختلط الواقعي بالمتخيل والأسطوري كما يذكر المثال الآتي :
يا امرأة الحانة
إني أسعى لنشيد الأبديَّة
ابني طوفاني لأغيِّر طُوفانَك
يوضح «المؤلف « بالشرح (لقد انطوت الرمزية في الخطاب على دلالة الإدراك الذهني لنشيد الأبدية المتصل برحلة نيل الخلود عند جلجامش بنسق النداء لنيل الخلود الأبدي عبر رحلة غير متحققة إلاّ في المتخيّل ((الذات واللسان)) تقترن برحلة غرائبية لنيل الخلود الذات والآخر ((الحبيبة )) في الوقت نفسه …..).
وقد بذل الدكتور علي هاشم ما بوسعه من تحليل معتمداً على نقاد من المدارس الحديثة عالمياً وعربياً في تفكيك النصوص والإجراءات التي عمد وعمل على تسويق طروحاته عنها تصل بالقارئ والمتلقي لفهم التأويل والآخر في الخطاب الشعري العراقي السبعيني ففي فصله الرابع من الكتاب القيّم « الخطاب الفينومينولوجي التأويلي « ليناقش ويعالج المباحث التفصيلية المبحث الأول : فاعلية الحلم في الخطاب الآخر:
1 – يوتوبيا الذات وزمناكية المغلق والمفتوح:
2 – فنتازيا الذات في مواجهة الآخر :
3 – الرؤيا الحالمة :
فيما ناقش بالمبحث الثاني من ذات الفصل موضوعات تتعلق بالطفولة وصدى التذكّر
1 – الوعي المزدوج ورثاء الذات :
2 – صدى الذاكرة وحركية الزمن فيما انجز بمبحثه الثالث قراءة واعية ومعمقة في مرايا الذات في مواجهة الآخر :
1 – المرآة (نسق الحضور والغياب ):
2 – الظلّ (نسق التوحد والتلاشي ).في توطئة ص 237:
(لا يمكن بأية حال من الأحوال اختزال الذات بصورة كاملة ، لأن غايتنا في البحث التوسط التفكيري على الوضع المباشر للذات الفاعلة كما يُعبَّر عنها بصيغة المتكلم (أنا أفكر )( أنا أوجد)….).