(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
الحلقة 18
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
جاسم محمد*
داعش : شيطنة الانترنيت
“الجهاد” الافتراضي عند داعش
يشغل تنظيم داعش الكثير من الاهتمام الاعلامي والسياسي وكذلك الشعبوي بين شريحة الشباب، وذلك من خلال الشبكة العنكبوتية وتطبيقاتها من خلال التفاعل مع هذه الشريحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع المفتوحة. وفي هذا السياق تعرضت شبكة “تي في 5 موند” الفرنسية يوم 10 مارس 2015 للقرصنة على ايدي افراد يدعون انهم ينتمون الى تنظيم “الدولة الاسلامية” الإرهابي، ما ادى الى توقف جميع قنواتها التلفزيونية عن البث وفقدانها السيطرة على مواقعها الالكترونية. وسبق ان نفذ داعش عمليات اختراق عديدة لمواقع اميركية بينها اختراق قاعدة البيانات الخاصة بالجيش الاميركي خلال شهر مارس 2015 وقام بالاستيلاء على بيانات حساسة على خوادم وقواعد بيانات الجيش وهي خاصة بالعمليات التي تقوم بها اميركا ضد تنظيم داعش. الهجمة ضد القناة الفرنسية الخامسة كانت منظمة، وتعد عملية نوعية جديدة تضاف الى صالح تنظيم “الدولة الاسلامية” في “جهادها” الالكتروني وعالم السايبر ـ الرقمي، العملية استهدفت فرنسا هذه المرة وربما تعود للأسباب التالية:
اولا ـ فرنسا تعد من الدول الفاعلة في التحالف الغربي
ثانياً ـ ان نصف عدد المقاتلين الاجانب هم من الفرنسيين ونسبة منهم من شمال المغرب العربي، عاشوا في فرنسا ولهم علاقات وصداقات ربما مع العاملين في الخوادم او القنوات الفرنسية.
ثالثاً ـ الاستهداف يبعث برسالة تهديد واستفزاز الى الحكومة الفرنسية، لنشرها قوائم اسماء عسكريين فرنسيين، حصلت عليها ربما من سجلات البريد او مواقع التواصل الاجتماعي لكنها تظهر على انها حصلت عليها بطريقة استخبارية.
رابعا ـ داعش تريد ان تقول انها موجودة في اي مكان لتعويض خسارتها عل الارض، وكذلك انها قادرة على كسب مقاتلين جدد خاصة من الشباب الذين يجدون ضالتهم فيها من خلال هذه العمليات ويعدّونها طريقة للثأر.
تصعيد عمليات القرصنة لتعويض الخسارة على الارض
يأتي تصعيد عمليات القرصنة الالكترونية ربما بسبب خسارته المستمرة على الارض، فقد شهد خسارة مدينة كوباني السورية مطلع شهر يناير 2014 وخسارته مدينة صلاح الدين وديالى في العراق واجزاء من محافظة الموصل وكركوك والانبار. هذه الجماعة تعدّ “الجهاد” على الانترنيت دعامة رئيسة في تركيبة وعمل التنظيم الى جانب “الجهاد” على الارض. التنظيم يعطي اهمية لعمليات اختراق المواقع الاخرى على شبكة الانترنيت، لذا فهو يثقف مقاتليه وانصاره على عمليات “الهاكر” التي تسمح له بالدخول الى خوادم شبكات الانترنيت. اعتمد داعش كثيراً على “الدعاية الجهادية” بإنتاج اشرطة الفيديو والدعاية بنوعية ومهنية للترويج لمبادئه. لذا فهو يعدّ الانترنيت احد نوافذ التنظيم وعالمه الافتراضي للوصول الى انصاره من الشباب، لذا فهو يعول كثيراً على ذلك. والى جانب”الهاشتاغات” و”تويتر” يصدر التنظيم مقاطع فيديو ترويجية تطلب من انصاره نشر رسائل، وصور، ومقاطع فيديو على تويتر، و”انستغرام”، و”يوتيوب” لدعم التنظيم، ويدير التنظيم مواقع مفتوحة منها موقع “خلافة دوت كوم”.
وشهد التنظيم تراجعا كثيراً على الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي منها الفيس بوك وتويتر، بعد ان اتخذت بعض الحكومات خطوات جادة لمنع وحجب اي دعم او ترويج للتنظيم. بعض الحكومات عدّت تمجيد هذه الجماعة وغيرها من الجماعات “الجهادية” عملا يدعم الإرهاب يحاسب عليه القانون.
فقد نجح تويتر”في ايقاف 18 الف حساب مرتبط بالتنظيم منذ خريف عام 2014 اضافة الى 800 حساب تأكد انها تابعة لـ”داعش”، حسبما اظهرت دراسة اعدها موقع “غوغل”. وتعود اغلب الحسابات التي تم الغاؤها لأشخاص مؤيدين لـ”داعش”، كانوا يدونون تغريدات باللغة الانكليزية عبر الموقع الاجتماعي. وكان اصحاب هذه الحسابات يطلقون صفة “كفار” على من يغلقون حساباتهم، بل ان كثيراً منهم عاد لفتح حسابات جديدة. وتشير التقديرات الى ان 45 الف حساب على “تويتر” على الاقل بينها الحسابات التي فتحت وتلك التي اوقفت في الاشهر القليلة الماضية، تابعة لتنظيم “داعش”. الحرب التي اعلنتها الشركة اتت بعد ان استطاع التنظيم تحقيق وجود بارز على هذه الموقع منذ سنتين. كذلك تم اغلاق موقع “خلافة بوك”، بعد يوم من انشائه من قبل التنظيم في 10 مارس 2015، كما تم تعليق حسابات اخرى للجماعة هدفها ايصال رسائل الى انصاره من اجل الحصول على مقاتلين جدد.
هذه العمليات ممكن ان تحقق :
اولا ـ استفزاز الخصم.
ثانياً ـ تنفيذ دعاية “جهادية”.
ثالثاً ـ استقطاب اكثر للشباب.
رابعا ـ تغذية روح الفوضى والانفلات والمغامرة عند انصاره من الشباب.
ان عمليات مكافحة القرصنة الالكترونية باتت صعبة لا يمكن ايقافها او منعها مثل الإرهاب الحقيقي على الارض، فهذه الجماعات تستطيع ان ترتقي بعمليات القرصنة مع كل خطوة تتخذها الحكومات بتامين الحماية الرقمية. ان عمليات القرصنة الممكن وصفها بعمليات شيطنة الانترنيت والعالم الافتراضي، لأنها عمليات لا يمكن لها ان تنتهي عند هذه الجماعات. ويستفيد داعش من خبرات تنظيم القاعدة السابقة وتجاربه على النت برغم القفزات النوعية في هذا العالم الرقمي الافتراضي. ان شبكات الانترنيت تساعد هذه الجماعات على سد التراجع الذي يحصل لها على الارض، ويدعمها من اجل البقاء والديمومة.
عبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها في احدى جلساتها خلال شهر ديسمبر عام 2014، من التجسس الرقمي وقالت ان عمليات المراقبة التعسفية الشاملة او غير القانونية واعتراض البيانات على الانترنت وجمعها “اعمال تنطوي على تدخل شديد”. اما الحكومات ووكالات الاستخبارات فهي الاخرى، بدأت تنهض بقدراتها لترتقي الى مستوى وحجم التحدي في مجال العالم الافتراضي بعد ان وصلت تهديدات “الهاكر” الى امنها القومي برغم وجود وحدات التجسس الالكتروني. وظهرت لدى الولايات المتحدة على سبيل المثال هيئات جديدة فقد قررت وكالة المخابرات المركزية الاميركية “CIA” اجراء واحدة من اكبر التعديلات في تاريخها، بهدف زيادة التركيز على عمليات الانترنت وتعزيز الابتكارات الرقمية، حسبما اعلن مدير الوكالة جون برينان مطلع شهر مارس 2015 . ان المواجهة بين الجماعات “الجهادية” والحكومات لم تعد مواجهة تقليدية، واصبحت قرصنة المعلومات واختراق المواقع وسيلة لتنظيم داعش والجماعات “الجهادية” لكي تكون قريبة من خصومها وانصارها.
ـ جهود حكومية لمواجهة شيطنة الانترنيت
ـ ان استعمال تنظيم الدولة الاسلامية” الانترنيت في “دعايته الجهادية” والتجنيد مثل افضل نموذج تعاملت معه هذه الجماعات مع الجيل الرابع من “الجهاديين”. لقد نجح تنظيم “الدولة الاسلامية” باستعمال العالم الرقمي الافتراضي الى اقصى حد. فالهجوم الالكتروني الذي تعرضت له قناة ” تي في 5 ” في 11 ابريل 2015 يعكس ذلك والذي جاء نتيجة تراجعه على الارض. وفي هذا السياق يقول العميد خالد عكاشة ان الاعلام سلاح اساس لتنظيم داعش، وليس مكملا او ثانويًّا، وليس الهدف منه مجرد استجلاب المؤيدين، مشيرًا الى ان وسائل اتصال التنظيم تتعدى استعمال الاعلام، بل امتدت الى مستوى تأطير علاقاته مع التنظيمات “الجهادية” الاخرى، وهو ما يُشير الى ان استراتيجية داعش على الارض قد وضعت من قبل خبراء، كما هو الحال في تعامل التنظيم مع الاعلام.
يمكن القول ان السياسات الاوروبية في مواجهة ارهاب “الدولة الاسلامية” وشيطنة الانترنيت، بانها لم تكن ترتقي الى مستوى التحدي ونشاط هذه الجماعة. وما يثير الاستغراب ان المواقع التي تنشط عليها “الدولة الاسلامية” داعش تدار من قبل خوادم غربية واميركية ابرزها محرك “غوغل”. وبرغم الانتقادات الموجهة الى ادارة الخوادم والمحركات للشبكة العنكبوتية ومنها وسائل التواصل الاجتماعي “تويتر” و”الفيس بوك”، فان فلسفة الاستخبارات في مواجهة هذه الجماعات تختلف عن ما تؤمن به دراسات علم النفس والاجتماع ومكافحة الجريمة مجتمعيا. وتعتقد اجهزة الاستخبارات ان اعطاء هذه الجماعات حركة ونشاطا مفتوحا، يمنحها فرصة نحو فهم اكثر ومعرفة اوضح لما يجري داخل هذه الجماعة بصورة افضل من بقائها عالما مغلقا. وفي هذا السياق بدا الاتحاد الاوروبي يوم 16 ابريل 2015 تحركاته العملية ضد شركة غوغل بتهمة استغلال موقعها العملاق، معتمدا استراتيجية هجومية ضد “غوغل” بعد ان فشلت محاولات سياسية طوال سنوات. وبذلك اقترب الاتحاد خطوة نحو احتمال تغريم عملاق الانترنت. وسبق ان عقدت دول الاتحاد الاوروبي والمفوضية عددًا من الاجتماعات مع ادارة “غوغل” ومحركات اخرى في بروكسل منتصف عام 2014. يبدو ان الاتحاد الاوروبي بدء ينتهج سياسة جديدة اكثر حزما مع شركات خوادم ومحركات الانترنيت، لأنها بدأت تؤثر مباشرة على امنها القومي من خلال الدعايات “الجهادية”.
نظمت وحدة دراسات الراي العام والاعلام في المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، في 11مارس 2015، حلقةً نقاشيةً تقول فيه ان ثمة مقولات قيد التسليم بها لا بد من مراجعتها لمعرفة السياق الذي وجد فيه تنظيم الدولة الاسلامية “داعش”،
اولها: ان الدول الغربية ضد التطرف الذي يمثله “داعش” وتحارب الجماعات الإرهابية، (..) الا ان هناك العديد من الاشارات التي تدل على تورط اطراف دولية في دعم جماعات ارهابية لتحقيق مكاسب سياسية، (..) على الرغم من وجود قرار دوليًّ بمحاربة داعش، وهو ما لم ينفذ حتى الان، ولا توجد ثمة استراتيجية دولية واضحة للقضاء على التنظيم (..).
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة