الديمقراطية و»الدولة القوية»

(2)
يقال في الجدل اننا احوج ما نكون الى «القبضة الحديدية» وتدغدغ هذه الدعوة مشاعر الفئات والشرائح التي تعاني من انفلات حلقات الامن وسلطة القانون وانتشار الفساد وممارسات الديمقراطية المشوهة والنيئة، في حين لا يمكن الجمع بين الديمقراطية والقبضة الحديدية، فالاخيرة وصفة للحكم الفردي الذي ينزلق دائما الى الاستبداد والتضييق على الديمقراطية واقامة سلطة البطش والمخابرات.
ان الديمقراطية مفهوم اصلاحي يطور نفسه الى اقامة سلطة ودولة مهيبة لا يتجاوز فرد او مكوّن او دين حدود الغير ، ويضمن للمجتمع ان يشارك في ردع التجاوزات مادام انه يطور ادوات ممارسة الديمقراطية ولهذا فان الديمقراطية تتعرض على الدوام الى مستويين من الهجوم، الاول من خصومها التقليديين، حكاما ودعاة يزعمون بانها تفتت «لُحمة الشعب» وتفسد العامةوتضعف إرادة القتال ضد العدو الخارجي، والثاني، من الادعياء الذين يجهلون معانيها واستحقاقاتها ويتمسحون بها لتوظيف بعض فروضها لمصالحهم الانانية.
وحتى تضع ترسيماً حول حدود الديمقراطية اقدمت منظمة اليونسكو في الخمسينيات من القرن الماضي على مبادرة رائدة باستكتاب طائفة من العلماء والباحثين من شتى الثقافات والاجتهادات واجناس التفكير، وقد جمعت اجوبتهم في كتاب اسمته (الديمقراطية في عالم متوتر) اصبح بمنزلة قاموس للديمقراطية، وان لم تنتظم مطالعات اولئك المفكرين في رؤية واحدة، فقد ركز العالم الفرنسي لوفيفر في نظرته الى الديمقراطية على «العدالة والحرية» وذهب الاكاديمي الاميركي لويز الى ضرورة «سيادة الشعب العليا» وقال المفكر الانجليزي بلامنتز انها «حكم اشخاص يختارهم الشعب بحرية ويخضعهم للحساب» فيما عدها المفكر الدانيماركي جورجنس بانها «عملية تحرير ومساواة».
لكن الاهم، ان جميع الباحثين حذروا من النظر الى الديمقراطية بوصفها نظام انحلال وفوضى، كما حذروا من اولئك الذين يستخدمون الديمقراطية سلماً للصعود الى السلطة، وعندما يصلون الى هناك ينقلبون عليها، وينحرونها من الوريد الى الوريد.
حدثَ ذلك، وقد يحدث.. لو كنتم تعلمون.
*********
المهاتما غاندي:
«العين بالعين تجعل كل العالم أعمى».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة