قانون الأحزاب العراقي.. تم إقراره على الورق وتأخر تنفيذه

تقاطعات وتناقضات في فقراته:
ايمان فارس

شرع قانون الاحزاب العراقي يوم 27 اب (اغسطس) 2015 ويحمل الرقم 36 استناداً لأحكام البند (أولا) من المادة (61) والبند ( ثالثاً) من المادة (73) من الدستور العراقي الدائم, بوصفه قانونا مكملا للدستور ينظم الحياة السياسية.
وقبل ذلك التاريخ كانت الكيانات السياسية في البلاد قد شاركت في الانتخابات التشريعية لأعوام 2005 و 2010 و2014 بموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المرقم 97 لسنة 2004 المعروف باسم «قانون الأحزاب والكيانات السياسية» والذي اصدره الحاكم المدني للعراق انذاك بول بريمر لتنظيم مشاركة الأحزاب والكيانات السياسية في الانتخابات ليحل محل قانون الاحزاب رقم (30) لسنة 1991 والذي اقر في زمن الرئيس الأسبق صدام حسين.
ولأكثر من عشر سنوات رفضت الكتل السياسية العراقية ومعظمها دينية تشريع قانون الاحزاب لأسباب كثيرة وابرزها الخشية من كشف هويتها ومصادر تمويلها كما انها تتخوف من قيام الحكومة بتمويل الأحزاب المرخصة كما ينص قانونها، الأمر الذي قد يضعها تحت هيمنتها وتأثيرها او بروز أحزاب جديدة منافسة كانت بحاجة الى التمويل.
وتحت ضغط الرأي العام اضطر مجلس النواب الى اقرار قانون الاحزاب بنسخة تحمل (61) مادة قانونية، اثارت الكثير من الجدل حتى حول المواد التي توصف بالإيجابية والتي يرى مراقبون ان بعضها غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
ومن ابرز تلك المواد هي المادة الخامسة من القانون التي نصت على أن «يؤسس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس المواطنة وبما لا يتعارض مع أحكام الدستور، ولا يجوز تأسيس الحزب أو التنظيم السياسي على أساس العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التعصب الطائفي أو العرقي أو القومي».
فكما هو معروف ان اغلب الكتل والاحزاب السياسية في العراق منذ عام 2003وحتى الان هي احزاب طائفية او قومية وتعد هذه المادة ضرورية للحد من التمييز والعنصرية في البلاد في حال طبقت بالنحو السليم, لكن هذه المادة تفتقر الى تعريف العنصرية او الطائفية والجهة المسؤولة عن وصف الحزب وتحديد هويته.
المادة الثامنة من الفقرة رابعا نصت على «ان لا يكون تأسيس الحزب وعمله متخذا شكلا التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية كما لا يجوز الارتباط بأي قوة مسلحة», للحفاظ على سلمية النشاط السياسي وهو شرط اساسي من شروط الديمقراطية فلا يمكن الحديث عن تهديد او ردع يفرض ارادات ويقمع حريات في ظل اي نظام سياسي يدعي ان آلياته ديمقراطية، وهنا ستكون مشكلة الاحزاب والتيارات السياسية التي تمتلك علانية فصائل مسلحة وترفض حلها.
أما المادة (44) فمنحت الاحزاب الشخصية المعنوية والقانونية وأعطتها حق التملك لوسائل الإعلام والعقارات والمطابع وغيرها كما منحها القانون الاعانة المالية بنسبة 20 % لكل الاحزاب المسجلة بموجب هذا القانون و80% للاحزاب الفائزة في الانتخابات النيابية وكلا حسب حجمه النيابي».
وتحاول هذه المادة اضافة الى المادة (25) منع الاحزاب من العمالة الى أطراف خارجية او حكومات دول بسبب العوز الى المال وبالتالي توفير حماية للعملية السياسية في البلاد من الاختراق ومنحها عوامل الاستقلال.
لكن المادة (41) تنص على «امتناع الحزب قبول اموال عينية او نقدية من أي حزب او جمعية او منظمة او شخص او أي جهة اجنبية الا بموافقة الحزب وعدم ارسال اموال او مبالغ الى جمعيات او منظمات او الى اية جهة اجنبية الا بموافقة دائرة الحزب»
وعبارة «الا بموافقة دائرة الحزب» أفرغت المادة (25) المذكورة اعلاه كمادة ايجابية في القانون من محتواها فبينما تحظر المادة (25) الحزب او التكتل السياسية من الارتباط المالي باي جهة اجنبية تعود المادة (41) لتكرر الحظر مع إعطاء دائرة الحزب حرية الموافقة على قبول الاموال من اطراف خارجية وفي هذا تناقض واضح قد يبدو متعمدا.
ولعل ابرز نقاط الضعف الأخرى في القانون هي المادة (2) التي تنص على تأسيس «دائرة الاحزاب» وربطها بمجلس مفوضية الانتخابات والذي يخضع بدوره لهيمنة الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات فقط ويوصف بانه مجلس محاصصة طائفية وحزبية سيتحكم بطبيعية الحال بقبول وتسجيل الأحزاب او التوصية بإلغاء واستبعاد بعضها.
وكان من الأفضل ربطها بسلطة قضائية مستقلة او وزارة العدل او كما هو معمول في اغلب دول المنطقة بوزارة الداخلية على اقل تقدير.
المادة التاسعة من الفقرة سادساً والمادة العاشرة من الفقرة ثالثاً اللتان تتحدثان عن الشروط الخاصة بالمؤسسين والمنتمين منعتا افراد القوات المسلحة ومفوضية الانتخابات ومفوضية حقوق الإنسان وهيئة النزاهة والمخابرات والامن الوطني من الانتماء للأحزاب وأغفلتا ادراج افراد او حتى مسؤولي البنك المركزي وهيئة الإعلام والاتصالات والمفتشين العموميين، وكذلك ديوان الرقابة المالية الذي سيكون المدقق لحسابات الأحزاب السياسية بموجب هذا القانون فيجب ان يكون حياديا منعا للمحاباة او الخصومة وتحقيقاً للموضوعية والمهنية في العمل.
في حين أعطت المادة (14) رابعاً للمحكمة الاتحادية اختصاصا جديدا ليس من اختصاصاتها المحددة في المادة (93) من الدستور والمتعلقة بالرقابة على دستورية القوانين وتفسير نصوص الدستور والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية وذلك بان اضافت لها حق الطعن أمامها (المحكمة الاتحادية) في القرارات التي تصدرها محكمة الموضوع.
والمادة (34) منعت الحزب من التجارة بقصد الربح, وهي مادة ضبابية أيضا فلم تحدد طبيعة الاستثمار وحدوده لاسيما وان معظم احزاب السلطة الان تمتلك مايسمى بـ»اللجنة الاقتصادية» وهي التي تحدد عمل الكتل او الحزب السياسي في الاستثمارات التي تبرمها الوزارة او المؤسسة التي يرأسها احد اعضاء الحزب.
اما بخصوص التبرعات فلم يشترط القانون معرفة مصادر المتبرع وما هي أساس ثروته وأعماله وهنا غياب في الشفافية المطلوبة لضمان عدم التمويل من أعمال مشبوهة او من أطراف خارجية.
المادة (46) والتي تعاقب بالحبس «مدة خمس سنوات ولا تقل عن ستة أشهر كل من مول خلافا لاحكام هذا القانون حزبا غير مرخصا», لكن المادة (50) تعاقب ايضا بالحبس «كل مسؤول في حزب او تنظيم سياسي ارسل أموالا عائدة للحزب الى منظمات او اشخاص او أي جهة خارج العراق «الا بموافقة دائرة الاحزاب» ومرة اخرى قد يفرغ الاستثناء الممنوح لدائرة الاحزاب المادة (46) من محتواها عندما توافق على تمويل «اية جهة» كما نصت المادة (50).
اما المادة (57) تنص على ان «تؤول اموال الحزب عند حله الى جهة في العراق يحددها قرار الحل» وهي فقرة فضفاضة ايضا ولا يعرف لماذا لم يتم تحديد الجهة التي تؤول اليها اموال الحزب وتفصيل ذلك كان يكون الى خزينة الدولة او المتبرعين والجهات الممولة.
وفي حال تطبيق القانون بصيغته الحالية وذلك بتشكيل «دائرة الاحزاب» المرتبطة بمفوضية الانتخابات ودخول القانون حيز التنفيذ, من دون تغيير او تعديل حينها ستتحكم مفوضية الانتخابات بعملية تشكيل الاحزاب والتنظيمات السياسية، باعتبار ان «دائرة الاحزاب» ستكون تابعة لها بموجب القانون وبما ان المفوضية يتم تشكيلها من مرشحي احزاب السلطة بحسب نظام المحاصصة الطائفية والحزبية ستخضع الاحزاب الاخرى خارج السلطة او التي تسعى الى التأسيس الى اهواء من هم في السلطة.
ولعل ابرز المشكلات والاهم هي عدم تحقيق الهدف الاكبر من القانون وهو الكشف عن تمويل الاحزاب وتحييد المال السياسي إذ يبقى تصنيف الاحزاب على انها طائفية او عنصرية او حظرها رهنا بأهواء القائمين على تطبيق القانون.
هذا الامر سيدخل البلاد في حالة سجال جديدة حول عملية تطبيق القانون بين المنتقدين والمؤيدين لسير التطبيق وبين المطالبين بتعديل القانون وبين الأطراف المستفيدة من بقاء القانون بوضعه الحالي.
أما في حالة بقاء الأوضاع على ما هي عليه بمعنى تأخر تشكيل «دائرة الأحزاب» وعدم دخول قانون الانتخابات حيز التنفيذ قبل الانتخابات التشريعية 2018 او المحلية 2017 وبالتالي دخول الانتخابات دون قانون الأحزاب.
في هذه الحالة سيتم استمرار نفاذ أمر سلطة الائتلاف رقم (97) من الناحية النظرية وتجربة السنوات الماضية من عمر العملية السياسية تعني عدم وجود احزاب وتنظيمات سياسية مشكلة بصورة قانونية واعتماد مشاركتها في الانتخابات على ما يحدده قانوني الانتخابات ومفوضية الانتخابات فقط.
وهنا من غير الممكن مراقبة اموال الاحزاب او مناقشة منهاجها واهدافها او تنظيم عملها وتحالفاتها او إخضاعها للمحاسبة التي يوفرها قانون الاحزاب ومنع العنصرية والطائفية او حمايتها من تدخلات الحكومة او الجهات المتنفذة الاخرى.

*ينشر بالاتفاق مع موقع نقاش

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة