مستقبل قوّات الأمن العراقية

الحلقة الأخيرة
جاءت هذه الدراسة لرسم صورة جديدة بشأن مستقبل قوّات الأمن العراقية وتحديد أهم التحديات التي تعوق عمل المؤسسة الأمنية ووضع الحلول المناسبة لها، فضلاً عن توضيح أبرز المهام التي تقع على عاتق رئيس الوزراء بوصفه القائد العام للقوات المسلحة من الاستمرار بالحصول على الدعم الدولي ومواصلة إصلاح القيادة العسكرية من خلال العمل على بناء مؤسسات جديدة وتطوير المؤسسات الحالية، وإعداد استراتيجية أمنية وطنية عراقية جديدة، فضلاً عن دور وزارة الدفاع المتمثل بمحاسبة الضباط الذين يثبت تقصيرهم في مهامهم العسكرية، فضلاً عن مكافحة الفساد والمحسوبية داخل المؤسسات العسكرية، واستحداث أساليب حديثة في تدريب قوات الأمن العراقية والمحافظة على أساليب التدريب العسكري الأساس، فلم تعد الجيوش في الوقت الحالي تعتمد كلياً على الأساليب التقليدية، وإنما أصبحت تعتمد على الجهد الاستخباري والمعلوماتي المرادف للأساليب التقليدية
مايكل نايتس*

الأولويات على المدى القريب
تشمل أولويات العراق في 2016 – 2017 الاستمرار في إعادة بناء قوات الأمن العراقية لدعم تحرير ما تبقى من المدن التي سيطر عليها تنظيم داعش، بما في ذلك الموصل وتلعفر والحويجة. يقوم العراق حالياً بالعديد من الأشياء التي تضمن نجاح هذه المعارك، وخاصة برنامج التدريب لعشرة أسابيع، والوحدات المتخصصة جنباً إلى جنب مع اختراق الأسلحة والتدريب الهندسي. تعد الجوانب السياسية والعسكرية
لهذه المعارك حيوية: إذ يجب أن تعمل الجهات المعنية السنية المحلية ويتم اشراكها في تخطيط وتنفيذ المعارك.
وسيكون لمساعدة التحالف الدولي دور بالغ الأهمية في تحرير هذه المدن بتكلفة مقبولة، وحد أدنى من الضرر، وهو ما يتطلب الحذر في اشراك بعض الفصائل من وحدات الحشد الشعبي في هذه المعارك. كما ستوفر استخبارات التحالف والقوة الجوية والعمليات الخاصة مزايا حاسمة لقوات الأمن العراقية. ومن شأن
التنسيق بين بغداد وأربيل أن يكون له أيضاً جانب حيوي في جعل المعركة تجري بنحو أكثر سلاسة، وبعدد أقل من الضحايا.
يجب أن يكون تراكم هذه المعارك تدريجياً وحذراً: إذ من الأفضل أن يكون الهجوم سريعاً وبطريقة صحيحة، كما يجب أن تتلقى وحدات قوات الأمن العراقية أكبر قدر من التدريب والمعدات، قبل أشهر من التقدم نحو المناطق الشمالية. ويجب إخبار الوحدات الجديدة بالضبط ما هي القطاعات والمهام المنوطة بها، وأن يسمح بإجراء تحليل للمهمة، وشرح عن الواجبات والجغرافيا. عندما تقترب مناطق التجمع
التكتيكية من الموصل، يجب انتهاج تدريب واقعي على مناطق تشبه ساحات القتال الفعلية التي سوف يجري عليها القتال. ويذكر الكثير من القادة مقولة جميلة مفادها أن عرق التدريب يقلل من دماء المعركة.
على العكس من الرمادي، إذ سبقت فترة طويلة من التردد مدتها سبعة عشر شهراً معركة التحرير النهائية، يجب أن يكون الإعداد لمعركة الموصل كبيراً، ومن ثم الاندفاع بسرعة. من شأن ذلك أن يقلل من الخسائر والدمار في ثاني أكبر مدينة في العراق. وبما أن الموصل أكبر بكثير من أي مدينة حررتها قوات الأمن العراقية، فإنه يجب تقطيعها الى أجزاء واضحة الواحدة تلو الأخرى، مثل ما حدث في تكريت عندما تم تقسيم القتال الى أربع أو خمس معارك على التوالي.
الأولويات على المدى المتوسط
ستتحول الحرب بعد تحرير المدن من عام 2017 فصاعداً إلى صحراء نينوى والانبار، وخاصة على الحدود مع سوريا. وسيتم بالفعل تأمين بعض من هذه الحدود من الجانب السوري من قبل القوى الديمقراطية السورية. ويجب وضع جهود كبيرة في التنسيق مع قوات الدفاع الذاتي، ربما بمساعدة من قوات التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة، ومجموعة مكافحة الإرهاب المتمركزة في كردستان، وكلاهما
يعملان بنحو وثيق مع الفصائل السورية. ستكون أجزاء أخرى من الحدود مفتوحة تماماً، وينبغي أن تكون هي المناطق التي تعطيها الحكومة العراقية الأولوية في جهودها لأمن الحدود الجديد.سيتم دعم القادة العراقيين بخطط تكنولوجية معقدة باهظة الثمن لأنظمة أمن الحدود مثل النظام الذي تبلغ كلفته 12 مليار دولار، ويجري بناؤه في المملكة العربية السعودية. من دون التحدث عن التكاليف، فإن ما يحتاجه العراق في السنوات القادمة ليس نظاماً تكنولوجياً فائقاً، بل نظاماً فعالاً يركز
على دعم الرجال والآلات التي يمكنها إغلاق الحدود. لم تنجح الحصون على الحدود ونقاط التفتيش في عامي 2012 – 2013 ، حتى عندما تم تعزيزها بنحو كبير بوحدات الجيش العراقي من الجنوب، كان هذا لأن كل وظيفة كانت معزولة عن الاخرى، وكانت تفتقر للامدادات، كما كانت الروح المعنوية منخفضة،
وليس هناك وجود للدعم الجوي وقوات التدخل السريع. وبينما سينشر العراق قواته على طول الحدود السورية، فإنه سيجد أن العديد من الحصون الحدودية التي يبلغ عددها 51 حصناً قد تهدمت جزئياً. تحتاج حاميات الحدود الجديدة لأماكن للعيش، فضلاً عن إمدادات منتظمة من الطعام والماء، وحصون وخنادق وأسلاك شائكة، كما يجب حماية قوافل نقل الامدادات من خلال دوريات للجنود. هناك ايضاً
ضرورة لوجود قوة خاصة لإزالة الألغام لنزع فتيل القنابل المزروعة حول كل حصن والمسارات الدورية.كما ستكون هناك حاجة للمراقبة الجوية لمراقبة طرق اختراق العدو. كما تحتاج الحصون إلى قوة محمولة جواً بطائرات الهليكوبتر، وغطاء جوي لمساعدة الحصون التي يتم مهاجمتها. هناك أيضاً حاجة للكشافة
الصحراويين المحليين والعناصر العشائرية لكشف طرق المهربين، ولاستمالة العشائر من خلال منحها فرص عمل، إنه مشروع ضخم يحتاج إلى السير به خطوة بخطوة، وبمساعدة دولية قوية. ويجب أولاً تأمين نقاط الدخول، ومن ثم طرق التهريب الرئيسة، وأخيراً الحدود بكاملها.

في الوقت نفسه الذي يتم فيه إغلاق الحدود، يجب على قوات الأمن العراقية الانتقال إلى مكافحة التمرد لمنع انتفاضة جديدة لتنظيم داعش في المناطق المحررة، سيكون هذا الأمر مهمة مكافحة الإرهاب، واستئصال قيادة وخلايا تنظيم داعش، ولكن يجب تركيز الجهود أيضاً على خفض مستوى التعاطف المحلي مع تنظيم داعش أو التنظيمات المماثلة. يجب على الحكومة العراقية إجراء مراجعة فورية لأفضل
الممارسات والدروس المستفادة من العقد الماضي، يجب أن يتم ذلك بتكليف من قبل رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس أركان الجيش وأن تضطلع به لجنة من الضباط العراقيين الذين كانوا أكثر نجاحاً في مكافحة التمرد الذي ركز على السكان في العقد الماضي. من شأن هذا أن ينتج عقيدة عراقية عملية لمكافحة التمرد
الذي يمكن تدريسه للضباط. وسيكون ذلك المنهج منهجاً مدنياً وعسكرياً يهدف الى ابقاء قوات الأمن العراقية على اتصال مع السكان المحليين، كما يمكن العمل ببعض جوانب قانون صلاحيات المحافظات ومفهوم الحرس الوطني في المنهج، وخلق “قواعد ممارسة لعبة” موحدة للقادة العراقيين بينما يتحركون في المناطق المحررة، ويبدؤون العمل مع المجتمعات المحلية.
التقدير الحقيقي للجيش العراقي
إن خطة إعادة بناء قوات الأمن العراقية كبيرة جداً لأن توضع في هذه الدراسة، وهي مسؤولية عراقية، ولكن المقاطع المذكورة أعلاه تقدم بعض الأفكار التي ينبغي أن يتم توجيهها في المستقبل. العراق بحاجة الى قوات أمن يمكن أن تغير بمرونة من حجمها وشكلها وفقاً لاحتياجات البلاد. ويجب على تلك القوات، خلال الأزمات، أن تكون قادرة على التوسع، الأمر الذي يقترح بنية قوات احتياط تحتفظ
بأشخاص مدربين يبقون على الاتصال حتى لو كانوا لا يعملون فيها، أو أنهم لا يعملون بدوام كامل. كما ستحتاج القوة أيضاً الى الكثير من خفة الحركة أكثر من قوات الأمن العراقية في العقد الماضي. ومن المرجح أن تظهر من الأزمة الحالية، قوات أمن عراقية أصغر، بحدود بضعة فرق عسكرية أو أقل، وهذا سيعني عدم وجود قوات للجيش العراقي في كل محافظة. لن تحدث أزمات دائمية في مناطق تمركز القوات،الأمر الذي يتطلب من قوات الأمن العراقية أن تكون قادرة على إعادة الانتشار بنحو جماعي إلى أجزاء أخرى من العراق، والى القواعد نفسها في المنطقة الجديدة. كما ستحتاج قوات الأمن العراقية إلى أن تكون قادرة على التحرك، وقادرة على النقل، وأن تكون الخدمات اللوجستية سريعة وعملية.
أما من حيث ما يمكن لقوات الأمن العراقية بناءه من الوحدات، فقد كان الدرس الرئيس من العقد الماضي هو ضرورة بناء وحدات الدعم بالنسب الصحيحة للألوية القتالية. كانت القوة لما قبل 2011فاقدة للتوازن، مع وحدات دعم قليلة جدا بالنسبة للعدد الكلي للألوية المقاتلة. ولم يكن يوجد أي نقطة إعادة بناء لوحدات كاملة، أو ملئ فراغ الألوية القتالية الضعيفة، إذا كانت الحكومة لا تستثمر في بناء
وحدات الدعم بالنسب الصحيحة. كان للجيش العراقي، في عام 2010 ، مثلاً، 192,687 من القوات المخصصة للألوية المقاتلة، و 42,383 من القوات المخصصة لدعم الوحدات، وحتى هذه النسبة كانت تمثل نصف وحدات الدعم اللازم فقط. أما اليوم، فالجيش العراقي لديه 54 لواءً مقاتلاً وحوالي 81,000
جندي مقاتل في هذه الالوية، وباستعمال الأرقام المذكورة أعلاه كدليل، فإن العدد الصحيح لقوات الدعم لهذا الجيش يكون 48,000 . وهكذا فإن المفروض أن يكون لكل 100,000 من القوات القتالية في قوات الأمن العراقية، حوالي 60,000 من قوات الدعم. وبالتوازي مع ملئ فراغ الألوية القتالية الضعيفة، تحتاج الحكومة العراقية إلى إجراء برنامج أكثر تقدماً من أي وقت مضى للتعويض في إنشاء وحدات الهندسة والمدفعية واللوجستية والطبية والاتصالات والاستخبارات.__

*باحث كبير وزميل في معهد واشنطن

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة