(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
الحلقة 15
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
جاسم محمد
سيناء
ما يحصل من عمليات ارهابية في القاهرة ومحافظات مصر من عمليات ارهابية يمتد الى سيناء ، وكشفت حادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري وزير الداخلية المصري محمد ابراهيم يوم 4 سبتمبر2013 وسط القاهرة عن هذا التمدد التي اعترفت به جماعة انصار بيت المقدس .
تعدّ سيناء التحدي الاكبر الى مصر وللمنطقة بسبب الطبيعة الجغرافية والانفاق مع حماس غزة وحدودها مع ليبيا والسودان . نتائج التحقيقات في مصر كشفت عن تدفق اسلحة وصواريخ قادمة من ليبيا والسودان وحماس عبر الانفاق ، والاعترافات كشفت تورط حماس وجماعة جيش الاسلام بزعامة نغمش بعدد من العمليات المسلحة في سيناء وحتى في اخراج السجناء المطلوبين من تنظيمات الاخوان في سجن طرة وسجون مصر الأخرى . المعلومات تفيد عن تمدد جيش الاسلام وانصار بيت المقدس واكناف بيت المقدس تمددها جغرافيا عبر سيناء وغزة . الجيش الثالث المصري قام بحملة واسعة الى بؤر هذه التنظيمات والعصابات التي تتخفى داخل سكان البدو خاصة عند الشيخ زويد ورفح .
الجيش كشف عن وجود اسلحة ثقيلة منها صواريخ سام وصواريخ مضادة للطيران وغيرها من الاسلحة ومعدات القتال والاشتباك الليلي ليؤكد بان هذه التنظيمات تحصل على دعم خارجي وان مكافحة الإرهاب يبدا من هناك ، لذا من الضروري البدا من سيناء بتجفيف الإرهاب ومنابعه . من الناحية الاستخبارية والامنية ما تقوم به الحكومة المصرية في هذا الظرف الصعب يعكس خبرات مصر بانها دولة مؤسسات وتزيد من ثقة المواطن في هذه المؤسسة لتكون النموذج الافضل في المنطقة . تمتلك مصر قاعدة معلومات واسعة لم تتضرر بفوضى الاخوان ، وتمتلك خبرات قادرة على تشخيص ما يحدث في سيناء . ما اتخذته مصر كان مطلوبا وصائبا وهو خطوة سريعة وفعالة ويجدر في دول أخرى على سبيل العراق واليمن اتخاذ مصر انموذجا في تجاربها والتعاون الامني معها لمواجهة الإرهاب بالطريقة الصحيحة . ان تجفيف منابع الإرهاب ، يعني اتخاذ الخطوات الاستباقية ، وان لا تكون الحكومة متلقية للضربات ، او ان تقوم بردود افعال تكاد تكون في الغالب ، ردود سريعة غير مدروسة .
سوريا
التجربة في سوريا تعكس الأنموذج الاكثر لسيطرة “الجهاديين ” على مجتمعاتها وتفرض الفتوة والزعامة عليها وتمارس سطوتها ضمن باب “الجهاد وجهاد النكاح والمحرم ” ليحل ” للمجاهد ما يريده من نساء وممتلكات فقط بإطلاقة تكبيرات الله اكبر ثلاث مرات!! هذه الحوكمة جعلت من الجهاديين يجدون المتعة والسياحة في محميات جهادية مخالفة للشرائع السماوية والى القوانين والانسانية وكرامة الانسان . الانموذج السوري يختلف عن نموذج سيناء مصر وعن المنطقة الغربية في العراق ،بسبب بوابة انطاكية التركية واطراف دولية واقليمية .
ولعل ابرز المتطوعين العرب والاجانب القادمين من اوروبا ومن بعض الدول العربية الى سوريا وغيرها من السوح القاعدية هم الشباب العربي المتواجد في اوروبا الذين يعانون من التهميش والبطالة وسياسات التقشف ، هذا اما اكدت عليه استطلاعات الراي مركز المراقبة الاوروبي لمكافحة العنصرية وكراهية الاجانب European Monitoring Center on Racism and Xenophobia .
لجنة مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة
تسعى لجنة مكافحة الإرهاب في الامم المتحدة ، اشارة الى قراري مجلس الامن 1373 (2001) و1624 (2005)، الى تعزيز قدرة الدول الاعضاء في الامم المتحدة على منع وقوع اعمال ارهابية داخل حدودها وفي المناطق التي تقع فيها على حد سواء. وقد انشئت اللجنة عقب الهجمات الإرهابية التي حدثت في الولايات المتحدة في 11 ايلول/ سبتمبر 2001. وتحصل لجنة مكافحة الإرهاب على مساعدة من المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، التي تتولى تنفيذ قرارات اللجنة المتعلقة بالسياسات، وتجري تقييمات فنية لكل دولة عضو بواسطة خبراء، وتيسر تقديم المساعدة التقنية الى البلدان في مجال مكافحة الإرهاب.
الجامعة العربية
اما الجامعة العربية فاكتفى المندوبون الدائمون في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في الاول من سبتمبر 2013 الدورة العادية لمجلس الجامعة الـ40 بإدانة الإرهاب بجميع اشكاله ومصدره باعتباره عملا اجراميا ، مؤكدين العمل على مكافحة الإرهاب مع التفريق بينه وبين المقاومة المشروعة ضد الاحتلال ورفض الخلط بينه وبين الدين الإسلامي . اما التعاون عبر الانتربول فيبدو انه ضعيف داخل الدول العربية و قد كشف عنه الخبير العراقي للشؤون الامنية العميد رياض بهار في اعقاب حادثة هرب سجناء القاعدة من سجن ابو غريب في يوم 22 يوليو 2013 ، حيث ذكر هنالك نقص في الجهد بتعقيب الهاربين من خلال قاعدة البيانات المتوفرة عن السجناء من صور وبصمات وغيرها من الادلة الجنائية . وهنا يستدعي ربط الدول في حلقات تعاون وتبادل المعلومات اكثر ، وربما الاتفاقيات الثنائية تأخذ فعلا اكثر من الاتفاقيات العامة .
وخلال اختتام مؤتمر الامانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب في تونس يوم 22 ايلول 2013 اعمال المؤتمر العربي للمسؤولين عن مكافحة الإرهاب في دورته السادسة عشرة بمشاركة ممثلين عن الدول العربية الاعضاء ، دعا الدول الاعضاء الى تشكيل لجنة وطنية عليا لمكافحة الإرهاب تتولى رسم السياسية الوطنية في مجال مكافحة الإرهاب مع مراعاة الاحترام الكامل لحقوق الانسان.
ان اقامة المؤتمرات اقليمياً ودولياً لمكافحة الإرهاب يعمل على ايجاد تعاون ما بين الاطراف المشاركة وعلى وجود اتفاق وفهم الى تعريفات الإرهاب كذلك الحلقات الدراسية والبحثية نشرها من خلال وسائل الاعلام ممكن ان تقدم للمواطن ثقافة امنية وتوعية استخبارية تتحمل مسؤوليتها مؤسسات المجتمع المدني اضافة الى الحكومات .
ان مسألة مكافحة الإرهاب والتطرف تعد من اكثر الموضوعات تعقيدًا وصعوبة بسبب تداخل اسبابه مع جوانب الحياة الاخرى الاقتصادية والاجتماعية والتنمية . كذلك الخلط ما بين المقاومة والتنظيمات الإرهابية من جانب وما بين اصول الاديان والفكر والأيدولوجيات الاسلاموية واليمينية المتطرفة التي تقوم على فرضية اسلمة وادينة الشارع لتنفيذ اجندة جماعات محدودة بعيدا عن الدين .
ابرز الاجراءات الاستخبارية الواجب اتخاذها ضد الجماعات “الجهادية”:
تتبع الجماعات “الجهادية” في سيناء في هذه المرحلة الكر والفر وعدم التمترس والتمكين اي عدم مسك الارض، بتنفيذ العمليات والاختفاء وهذا اصبح معروفاً في نتائج العمليات العسكرية الواسعة للجيش في العراق واليمن ضد تنظيم القاعدة وداعش وهذا يعني ان نتائج العمليات الواسعة في اصطياد مقاتلي التنظيمات تكون محدودة. العمليات الواسعة نافعة في الجغرافية المفتوحة مثل سيناء في ردم الاعشاش والاوكار ومعسكرات التدريب. تبقى متابعة هذه الجماعات استخبارياً معلوماتياً هو الاكثر تأثيراً.
• قاعدة المعلومات : ايجاد معلومات حول الاشخاص والتنظيم والبيانات، التي تعدّ معلومات اساسية واجب جمعها قبل البدء بوضع اي خطط مع ضرورة تحديثها وهي ابجدية العمل الاستخباري.
• مصادر التمويل : مراقبة عمليات غسيل الاموال من خلال البنوك والمصارف وشركات الصيرفة وبعض شركات الاستيراد والتصدير لغسيل الاموال بطريق المقايضة.
• مصادر التطوع : تبقى الحواضن هي المصدر الرئيسي لتدفق المقاتلين الى هذه التنظيمات، وتساهم سياسات الانظمة والحكومات احيانا بذلك بسبب سياسة التهميش والاقصاء مثلما حصل في نموذج محافظة الانبار في العراق. تبقى الحلقات والتجمعات الاسلاموية واحدة من اكثر الوسائل استقطابا للمقاتلين الى جانب وسائل التواصل الاجتماعي ضمن الدعاية “الجهادية”.
• معسكرات التدريب : تتخذ الجماعات المسلحة و”الجهادية” جغرافية الارض من وديان ومساحات صحراوية، مراكز تدريب لها وعادة تكون عند الحدود لتكون بعيدة عن الرقابة والسيطرة.
• المضافات : تتخذ هذه الجماعات مضافات حول المدن وفي القرى، تكون على شكل بيوتات ثابتة، تستضيف المقاتلين خلال تنقلاتهم وتجمعهم قبل تنفيذ عملياتهم او دخول المدن على شكل خلايا نشطة ونائمة.
• مصادر التسلح: ان التمويل العالي الذي تحصل عليه التنظيمات “الجهادية” ابرزها “دولة داعش” التي وصلت موازنتها الى ملياري دولار اميركي يمكنها من عقد صفقات كبيرة في التسلح محليا ودوليا تمر عبر مطارات دولية، فبعد ان كانت تستخدم الاسلحة الخفيفة الان تحولت الى استعمال الاسلحة المتوسطة والثقيلة وتقنية حديثة.
• مرجعياتها السياسية والدينية: من اجل فهم فلسفة الجماعات القاعدية، بات ضروريا معرفة مرجعياتها السياسية والدينية، التي تطلق الفتاوى والتعليمات.
• طرق الاتصالات: الجماعات “الجهادية” تحولت الى تنظيمات ذكية فالبعض منها يتجنب استعمال الهواتف والاكتفاء بالمراسل والبعض يستخدم الدوائر والمنتديات المغلقة في غرف الدردشة، اما في تنفيذ المعلومات فقامت بتحوير اتصالات سلكية منخفضة على شاكلة “ووكي توكي” لتجنب اعتراضها.
• الخلفيات الاجتماعية والسيرة الذاتية لقياداتها : دراستها وايجاد عناصر الضعف والقوة للعمل عليها استخباريا.
• اعتراض مراسلات التنظيمات : ان اعتراض المكالمات والاتصالات الفنية والمراسلات التحريرية بين التنظيم وقياداته وكذلك ما تحصل عليه الاجهزة الاستخبارية من عمليات تعرضية الى معسكرات ومقرات التنظيمات يمكنها ايضا من الحصول على الوثائق وكذلك المراسلات التحريرية مثل “وثائق سنجار السوداء” التي حصل عليها الجيش الاميركي في العراق عام 2005.
• ايجاد مصادر داخل التنظيم : اختراق التنظيم من الداخل وهذا من شأنه ان يعطي مصادر معلومات تتمتع بالمصداقية، حول تنفيذ العمليات وحركة وتنقل قيادات التنظيم.
• حالات تماس : ايجاد حالات تماس استخباراتي معلوماتي مع الجماعات المسلحة، اي دفع اشخاص تحت غطاء متبرعي معلومات لتلك الجماعات “الجهادية” لكشف اهتمامات تلك الجماعات.
• حرف مسار التنظيمات : تحقيق انحراف في اتجاه الجماعات “الجهادية” عندما يصعب مواجهتها وذلك بالاتصال وايجاد علاقة مع بعض مقاتلي التنظيم الاقل تطرفا وراديكالية، هذا من شأنه يحقق انشقاقات داخلية تضعف التنظيمات.
بعد ذلك يتم وضع دراسة او الخطة لمتابعة التنظيم، بضمنها التهديدات المحتملة والنوايا لذلك التنظيم.
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة