الطيور الطايرة

مقداد عبدالرضا

المدن التي تخلو من الحمام لاتجلس على خريطة العالم وشخصيا اعدها من المدن القاسية, مثلها مثل المدن التي لاينزل فيها مطر, زرت بلدانا عدة, رأيت فيها الحمام يشتبك مع خطوات الناس, يحلق عاليا, يحط فوق كف سيدة هيأت له الطعام فيروح ينقر بفرح وحب, السيدة تبتسم والطير يرف, تلك ظاهرة تعم الدنيا, قلوب صافية تتوزع على غابات العالم, في بلادنا ولان للمقدسات حرمة كبيرة ولايجوز فيها الاذى تجد الحمام يشعر بالامان هناك حيث الرأفة جزء من المقدس, لكنني في المقابل افتقد وجود هذا الحمام في الشوارع, عكس مايحدث في مدن العالم.

احيانا اشاهد بعض المراهقين يحملون بنادق صيد الطيور فاحزن واتأسى, ترى لم وجدت هذه البندقية؟ بل لم وجد اصلا السلاح طالما هناك حمام؟ صديق لي لديه محل لبيع المكسرات (الكرزات), قبالة محله ساحة واسعة, اتعمد زيارته بين فترة وفترة اخرى وخاصة حينما يطيب الصباح, لا لاشتري منه مما يبيع, بل للتمتع بهوايته التي احسده عليها, مشهد يقف ندا للوحشة والجزع.

مشهد يبعث على التفاؤل, يقف امام محله بعد ان قام بنخل مالديه من مكسرات وتنظيفها, وما يتبقى من فضلات يرميه الى الحمام الذي تعود على المكان وصار يزوره في الموعد المحدد, ما ان ينتهي صاحبي من توزيع ارزاق الحمام هذا ولانه يعرف ما الذي يتوجب عليه فعله, يهرع لصنبور الماء يفتحة ويأخذ برش المكان, لكنه في الاساس يسقي الحمام الذي صار الان بالعشرات, ولا ابالغ ان قلت بالمئات, يشرب الماء ويرفع رأسه الى السماء امتنانا, موظف الامانة يقترب من صديقي صاحب المحل, يخرج دفترا صغيرا ويروح يسجل غرامة, يسأله صاحبي, لم الغرامة؟

يخبره بانه يسهم في توسيخ الارض, اضحك انا من سبب الغرامة, صاحبي يخبر الموظف, اتحداك ان وجدت قطعة قش واحدة على الارض, افكر انا بكلام صديقي واصدقه لان الحمام في بلادنا ليس له مأوى وليس هناك من يطعمه, لذا تجده ابدا جائعا, يا امين بغداد, طالما انت تبحث عن نظافة العاصمة بهذا الحماس, اوصيك فقط ان تتطلع من شباك اقامتك كموظف او خادم لبغداد وتشاهد ايما وساخة تحمل الشوارع والارصفة, ايما تجاوزات وعشوائيات, عند نزولك من جسر السنك ايها الامين باتجاه الرصافة، ستجد العجب العجاب, الناس لم تقتحم الارصفة فقط بل نزلت بعرباتها الى الشارع حيث ضاق كل شيء, ايها الامين, اسألك, هل تعرف بغداد؟ اشك..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة