كارل بيلدت
وزير خارجية السويد السابق
لقد أدرك قادة الاتحاد الأوروبي فجأة الحقائق الجديدة في البلقان. وفي مؤتمر قمة عُقد مؤخرًا، شددوا على الحاجة إلى زيادة مشاركة الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على الاستقرار – والرد على النفوذ الروسي – في المنطقة.
لكن الوضع الجيوسياسي للبلدان البلقانية لا ينبغي أن يكون مفاجئاً. بعد كل ذلكء، حدثت انقسامات في الحقبة ما بعد العثمانيين – التي تمتد من بيهاتش في الزاوية الشمالية الغربية للبوسنة إلى البصرة على ساحل الخليج العربي في العراق – والتي تعد لمرات عدة مصدراً لعدم الاستقرار الإقليمي والعالمي منذ زوال الإمبراطوريات القديمة قبل قرن.
عندما انهارت إمبراطورة هابسبورغ والإمبراطورة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بُذلت محاولات لإقامة دول قومية حديثة في البلقان، على الرغم من التنوع الوطني والثقافي للمنطقة. ومنذ ذلك الحين، اشتبكت القومية بنحو متكرر مع فسيفساء الحياة المدنية المستمرة في المنطقة، مما أدى إلى تأجيج صراع بعد صراع آخر.
وقد أنشئت يوغوسلافيا، مثل الدول القومية التي أنشئت في بلاد الشام وبلاد الرافدين، لإدارة هذه التناقضات السياسية؛ لكن الفظائع – في سميرنا وسريبرينيتسا وسنجار وأماكن أخرى – ظلت سمة ثابتة للحياة ما بعد الإمبراطورية.
وقد انهارت يوغوسلافيا في أوائل التسعينيات، مما أدى إلى عقد من الحروب الوحشية من كرواتيا إلى كوسوفو. إن ظهور سبع دول جديدة – وغالباً متناقضة مع بعضها البعض – أوضح أن الاستقرار الإقليمي سيعتمد على إطار جديد، ألا وهو الاتحاد الأوروبي. وبسبب نجاحه في تسوية الصراعات الوطنية الطويلة الأمد، كُلف الاتحاد الأوروبي بفصل الانقسامات القومية التي طال أمدها في المنطقة وإخماد صراعاتها العرقية.
وفى مؤتمر قمة الاتحاد الأوروبي في ثيسالونيكى عام 2003 تعهد المندوبون رسميا بجعل جميع دول البلقان في المجموعة أعضاء. هذا الوعد سيكون من الصعب الحفاظ عليه والوفاء به. عندما توقفت المشكلات الحالية في البلقان، ظن زعماء الاتحاد الأوروبي أنهم حققوا السلام في المنطقة. ومن الآن فصاعدا، فإن نهجها المعتاد تجاه البلقان يعني أساسا الإبقاء على الوضع الراهن.
بعد تعيينه رئيساً للمفوضية الأوروبية في عام 2014، أكد جان كلود جونكر الوضع الراهن، بإعلانه أن الاتحاد الأوروبي لن يخضع لمزيد من التوسع خلال فترة ولايته التي ستستمر لمدة خمس سنوات. وكان بيان جونكر على صواب من الناحية الفنية، لكنه كارثي سياسيًا. ومع انطفاء النور الذي كان يرشد جهود الإصلاح والتكامل الآن، فقد بدأت القوميات في المنطقة تنمو مرة أخرى. وفي الوقت نفسه، أصبح الاتحاد الأوروبي منكباً على مشكلاته المالية الجارية، مثل أزمات الديون السيادية للدول الأعضاء.
قضيت الكثير من الوقت في البلقان في السنوات التي تلت الحرب البوسنية. كنت مبعوثاً خاصاً للاتحاد الأوروبي ليوغوسلافيا السابقة، ثم الرئيس المشارك لمؤتمر دايتون للسلام، الممثل السامي للبوسنة والهرسك، وأخيرًا المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في البلقان.
وفي العام الماضي، عندما عدت إلى البوسنة في زيارة غير رسمية، سألني أحدهم عما إذا كانت الحرب ستعود إلى المنطقة. في البداية، تجاهلت السؤال. ثم أجبت «مستحيل». لكن بعضهم ظل يطرح السؤال نفسه. في المرة الخامسة، بدأت أشعر بالقلق.
كنت بالتأكيد محقاً بقولي إن حروب التسعينيات لن تعود: فالظروف اليوم مختلفة جدا عما كانت عليه آنذاك. لكن، كما رأينا مرات عديدة من قبل، يمكن للمتحاربين الفرديين إشعال الحرائق التي يصعب احتوائها. في يوم من الأيام في سراييفو، أثار شخص يدعى غافريلو برينسيب حرباً عالمية عندما اغتيل ارشدوق فرانز فرديناند في النمسا. واليوم، أصبحت المنطقة تدريجياً أكثر قابلية للاشتعال، ويمكن إشعال شرارة أخرى، ربما هذه المرة في سكوبي (عاصمة جمهورية مقدونيا).
فما العمل؟ بالنسبة لأوروبا، السبيل الوحيد للمضي قدماً هو توسيع سلطاتها لاحتواء الأزمات، مع الإسراع أيضا في التكامل الأوروبي. ولمعالجة المخاطر الناشئة في البلقان، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يثبت أن لديه الإرادة والوسائل المطلوبة للعمل، من خلال نشر مجموعات قتال الاتحاد الأوروبي لإجراء تدريبات عسكرية في المنطقة. وهذا من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن قواتها العسكرية ليست نمور ورقية، وأنها قادرة على استعمال أكثر من مجرد كلمات.
ومن الضروري أيضا زيادة توسيع الاتحاد الأوروبي. وبمجرد انضمام سلوفينيا وكرواتيا إلى المجموعة حتى الآن، من المؤكد أن تأمين عضوية بلدان البلقان المتبقية سيستغرق وقتاً. لكن الإصلاحات المطلوبة لجعل هذه البلدان مؤهلة للعضوية يمكن وينبغي التعجيل بها، مع اتخاذ خطوات مؤقتة تتمتع بمصداقية لدى شعوب المنطقة.
على سبيل المثال، ينبغي لنا أن نكرر الشراكة الشرقية للاتحاد الأوروبي، مع إقامة شراكة البلقان، مع إبقاء إمكانية العضوية مفتوحة، وفي الوقت نفسه، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تكثيف مشاركته السياسية في المنطقة. ويمكن أن يبدأ من خلال تسوية النزاعات الحدودية الطفيفة المعلقة، لكي لا تتفاقم.
الاتحاد الأوروبي، في لغة اليوم، لديه مشكلة معقدة، حيث تضاعفت التحديات في السنوات الأخيرة، وكذلك مؤتمرات القمة التي يعقدها لمعالجة هذه التحديات. لكن للقادة الأوروبيين خياراً واضحاً في البلقان: إما معالجة المشكلة، أو الانتظار حتى تتغلب عليهم.
إبعاد أشباح البلقان
التعليقات مغلقة