الجيش العراقي في اختبار تكريت

جدل بشأن قدرة العراقيين على استعادة الاراضي التي استولى عليها داعش

كرستيان ساينس مونيتور*

شنت القوات العراقية مدعومة بالمروحيات المسلحة بالمدافع الرشاشة قبل ايام هجوما ضد المليشيات السنية المتطرفة في مدينة تكريت التي تقع الى الشمال من بغداد، تلك المدينة التي تعد احدى اكبر مدينتين استولى عليها المتطرفون السنة قبل اسابيع.

فبعد إن شهد معظم العراقيين و العالم ذوبان وجود الدولة العراقية في تلك المناطق، سعى المسؤولون العسكريون العراقيون الى تصوير العملية العسكرية التي بدأت كخطوة مهمة تنقل الجيش العراقي الى وضع الهجوم. و قد قال القادة العسكريون العراقيون إن هذه العملية شملت وحدات من القوات الخاصة مع دبابات ومروحيات فضلا عن متطوعين مؤيدين للحكومة من السنة والشيعة. و قد اورد سكان تكريت حصول صدامات على مشارف المدينة والى الجنوب منها، الا إن مستوى شدة القتال لم يكن واضحا.

وعن هذا الموضوع، يقول السيد جواد البولاني و هو مسؤول امني رفيع من قيادة عمليات صلاح الدين، يقول إن الهدف المباشر للعملية الحالية يتمثل في تكريت مسقط رأس الدكتاتور العراقي السابق صدام حسين. و اضاف البولاني إن لا جدول زمنيا محدد لانتهاء العملية.

من جانبها، شنت الطائرات المروحية هجماتها بالمدافع الرشاشة ضد المتمردين الذين كانوا يهاجمون القوات العراقية داخل جامعة تكريت التي تقع الى شمال المدينة قبل تقوم القوات العراقية الخاصة بعملية انزال جوي لتأمين السيطرة على الجامعة. و كانت القوات العراقية انطلقت بعمليتها من الجنوب انطلاقا من مدينة سامراء حسب احد المسؤولين الامنيين الذي رفض الافصاح عن هويته كونه لا يملك الحق بالتحدث الى الاعلام.

اما سكان مدينة تكريت الذين امكن الاتصال بهم هاتفيا، فقد اكدوا إن الهجمات حصلت بالفعل، فيما اوردوا إن صدامات عنيفة وقعت بين مقاتلي تنظيم داعش من جهة والقوات العراقية على الجهة الجنوبية الشرقية من المدينة، الا انهم اكدوا إن بعض افراد المليشيات لا يسيطرون على بعض الارجاء ويسيرون دوريات في شوارعها. كما وصف بعض السكان السنة الدخان الاسود التي تنبعث من بعض القصور الرآسية التي تقع على حافة نهر دجلة من المدينة بعد إن فتحت المروحيات نيران مدافعها الرشاشة على المجمع. لكن معظم من تحدثوا الينا من السكان رفضوا الكشف هوياتهم لاسباب امنية بحتة.

احد الذين تحدثوا الينا ولم يمانع من ذكر اسمه و يدعى مهند سيف الدين، يقول من جانبه إن المدينة خلت من سكانها بعد إن فروا جراء القتال المحتدم والصدامات المتوقعه. واضاف سيف الدين “لقد باتت تكريت مدينة اشباح بسبب إن الكثير من اهلها فروا من منازلهم مخافة عمليات القصف الجوي والصدامات مع قوات الجيش العراقي المتقدمة في المدينة.” واضاف سيف “إن القلة القليلة التي لا تزال هنا تعيش مشاعر خوف من احتمال انتقام افراد المليشيات الشيعية الذين يرافقون الجيش في عملياته. اننا مدنيون عزل لا نريد إن نصبح ضحايا في هذا الصراع”.

من جانب اخر، نفذت القوات العراقية بضعة هجمات جوية ضد تنظيم داعش في مدينة الموصل بما في ذلك ضربة جوية استهدفت موقعا تجاريا لا يضم اي اهدفا عسكرية حسب ما يقول بعض السكان المحليين.

لقد تمكن تنظيم داعش وحلفائه من الاستيلاء على معظم المناطق السنية الواقعى الى غرب وشمال العاصمة وصولا الى الحدود الاردنية والسورية. وفي هذا السياق، يشير محللون وخبراء عسكريون اجانب الى إن تقدم جماعات داعش تباطئ بفعل امتصاص الصدمة التي حصلت من قبل القوات العراقية برغم حالات الفرار التي وقعت، فضلا مقاومة بعض المناطق الشيعية التي تقع على مشارف العاصمة وصدها التقدم الداعشي. 

ويقول الخبير والزميل من مركز تومسون لدراسات الحرب و السلام في لندن، روبرت بلاك، “قد يكون ما حصل اقرب الى كونه يمثل صدمة معنوية تكشف لحكام العراق وشعبه وجود خلل معنوي و مادي كبير في تركيبته السياسية والاجتماعية، وحتى بنية اجهزته الامنية”.

واضاف كذلك “إن هذه الصدمة امكن الاحساس بقوتها من خلال ردة فعل المرجعية الشيعية الدينية التي قررت اعلان الجهاد في خطوة تعيد الى الاذهان ما حصل في العراق قبل اكثر من 90 عاما ابان بدايات الانتداب البريطاني للعراق”.

اما الخبير والاكاديمي من ويست بوينت، داتش بيرنسون، فقد تحدث عن هذا الموضوع قائلا “لقد فرت القوات العراقية بطريقة غير مسبوقة برغم كل ما بذله الاميركيون من مجهود لتدريب العراقيين وتسليحهم وامدادهم واعدادهم لمواجهة هذا اليوم، الامر الذي يعكس حالة شرخ عميق ليس في ثقة المؤسسة العسكرية العراقية بنفسها وحسب، وإنما في حقيقة ترابط الخيوط الاجتماعية التي تجمع النسيج العراقي من الداخل”.

واشار بيرنسون الى إن تقدم القوات العراقية الحالي ومعه الدعم الشعبي يأتي بطريقة تخدم رئيس الوزراء العراقي الحالي نوري المالكي الذي يسعى لضمان ولاية ثالثة في وقت بات لديه فيه الكثير من الاعداء فضلا عن انفصال الشركاء وابتعادهم عنه”.

وحسب مطلعين على الشأن السياسي العراقي، فأن الولايات المتحدة وغيرها في العالم ضغطوا على المالكي بهدف التقارب مع شركائه السنة والاكراد، فضلا عن دعوتهم له لتشكيل حكومة تشمل كل اطياف العراقيين وتعمل من اجل التصدي لتحديات البلاد العاصفة.

في سياق متصل، يقول احد الدبلوماسيين الغربيين في بغداد، والذي رفض الافصاح عن هويته لاسباب تتعلق بحساسية الموضوع، يقول إن المالكي متهم بأحتكار السلطة ومعاداة السنة الذين يشعرون انهم مستهدفون ولطالما اشتكوا من سطوة وقسوة القوات الامنية العراقية ضدهم.

واضاف الدبلوماسي ذاته إن العراق يواجه واحدا من اصعب ازماته منذ انسحاب القوات الاميركية نهاية العام 2011، الامر الذي يلقي بضلال قاتمة على مستقبل وحدة البلاد التي يتواجه ابنائها على طول الخنادق الطائفية والعرقية.

من جانبها، فأن الولايات المتحدة تشاهد ما يجري في العراق بعين قلقة، ولا تزال كذلك، رغم نشرها لبضعة مئات من القوات الاميركية على شكل مستشارين عسكريين بعد وعد من الرئيس اوباما بدعم العراقيين في ازمتهم الحالية.

وفي سياق متصل، شرعت الولايات المتحدة بتسيير طلعات جوية تنفذها طائرات نفاثة واخرى من دون طيار فوق بغداد بهدف حماية الدبلوماسيين و المصالح الاميركية حسب التصريحات الرسمية بهذا الخصوص. 

لكن دبلوماسيا اميركيا سابقا رفض الافصاح عن اسمه قال إن وجود الطيران الاميركي يمثل خطوة اولى يصح وضعها في اطار اوسع من مجرد التواجد والمراقبة، وإنما ضمن اطار التواجد القريب والاستعداد للتحرك وحتى الضرب في حال اقتضى الامر.

* ترجمة الهادر المعموري

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة