الكرسي رمز حضور وغياب الجسد

(ترميم الذاكرة) للفنان عبد الكريم سعدون:
ناجح المعموري

توفر المعاينة الدقيقة والتفصيلية إقتراباً أكثر من تجربة عبد الكريم السعدون الفنية في انجاز ملفت بجمالياته عن تجربة مثيرة في تخطيطات لها جذور حضارية سومرية ومصرية وليست إغريقية . ان الذهاب نحو الإغريق كما فعل الناقد سمير دلغادو في حديثه عن تجربة السعدون خطأ ثقافي وفني ، لأنه تجاوز الأصول المبكرة للفن السومري والمصري وانقاد نحو الإغريق مسحوراً بتأثير هيمنة المركزية الغربية.
الفاحص لا يستطيع التأثير السومري والمصري والشرقيات الأخرى وخصوصاً في استثمار اللون الأسود وما يمتلكه من طاقات تعبيرية ودلالات رمزية وهي كثيرة وتوجه عبد الكريم السعدون لتوظيف السواد يوحي لتجربة مدركة ما يعنيه هذا اللون ، لذا منحه فضاءً واسعاً وعميقاً في طواعية الاستعانة به ، حيث قدم من خلاله انجازاً فنياً متميزاً. ولم تعرفه التجربة العراقية الفنية باستثناءات قليلة وبمستوى إخراجي بسيط .
ما يساعدنا على الدنو من هذه التجربة هو الاكتشاف والتعرّف ، لأن القاريء كلما اقترب من اللوحة التخطيطية ، فأنه يبغي الدنو أكثر للاطلاع . وهذا يعني فهمه لما هو متحقق ويستشرف لما سيكون فالوعي مفتاح القراءة والتعرّف .. والخبرة آلية التسلل للمخبوء والإعلان عنه والمخبوء لا يعني كثيراَ ، لأن البلاغة الدلالية كامنة في السواد المستتر وكلما ذهب الإبداع نحو العلاقة الثنائية المانحة فرادة ، لتعلن عن طاقة الفن ، حيث تلتمع روحه المدفونة عميقاً ، لكنها تتسلل مثل البرق لتنعكس على سطح المرآة المكشوفة / والمستترة ، شفافة وبها عتمة سوداء ، مع لون ترابي ممتزج بما يشبه الأرجوان ، ليحفّز التخيّل لقراءة أعمال فنية ارتقت الى مصاف الأعمال الرفيعة جمالياً ، والمزدهية بمهارة الخطوط التي تبدّت وكأنها تعيدنا لتذكر الممحو الذي هيمن على بعض منها بممسوحات سوداوية . لم تكن ذات وظيفة تظليلية ( من الظل ) بل تشويه المعالم التي دائماً ما ذهب نحو طمرها وتغليفها السواد ، لكنها تعطينا معنى من خلال الطرس المتروك بعد المحو ، لأن الرمزيات أو حافاتها لاعب جوهري ، لكنها ظلت ولم تغادر فضاء الجسدنة ، مع التركيز على الأنوثة المتسيدة تعبيراً عن ولع شرقي بالأنثى ، وكأن السعدون يستعيد تاريخها الحضاري وعتبتها السومرية . في فجر الحضارة العراقية القديمة . لحظة سيادة الأنوثة ثقافة وهمية دينية ، مع خطاب كلي استطاع وبجدارة إنتاج إحدى أهم الحضارات الشرقية وأولها في التاريخ وهي حضارة سومر ومن بعدها مصر ، ولاحقاً شعت التحققات على الشرق.
الفنان عبد الكريم سعدون غير بعيد عن الأصول الانوثية الأولى لأنه عارف بها وبطقوسها وعقائدها ومعتقداتها الدينية وشعائرها ، مع مزاولاتها السحرية التي تمظهرت رموزها أو بعضها في بعض اللوحات لأنه مركز مهم جدا في المجال الآيروتيكي المعني به بشكل جيد . ليس الزواج الإلهي المقدس ، بل المصرولوجية أيضاً هي من الموجودات في رسومه ، مثل عين الإله المصري المميزة والمعروفة وعبد الكريم السعدون عارف بالخزانة الميثولوجية الثنائية / السومرية والمصرولوجية .
الخطوط السوداء مزخرفات ، تأخذ فضاء الفراغ الصغير ، لكنه يبدو فراغاً متوتراً بجمال شعريته المكشوفة ، الكاشفة عن عري الأجساد المشحونة بالتوتر الرغبوي واللذّي . كل الأجساد مثيرة وأكثرها توتراً الأجساد الأنثوية ، الطافحة عليه والحسيات طوفان مبلل لكل شيء في الجسد حتى الذي غادر مكانه / كرسيه . لكنه ترك تفصيلاً بسيطاً للغاية ، هو من مستولدات الرمز / الكرسي ومثال ذلك التخطيط الخاص بالأنثى بمؤخرتها المكشوفة ، عارية تماماً ، متوثبة متوترة الساقين وهي تحدق بالفتى المستور ، لم تتضح فحولته لأنها مصانة بالثقافة البطرياركية الصحراوية . لكنه التقى المعاينة المتوترة والدهشة وهو يطلع على الجسد الأنثوي وهو يعلن استسلامه للذكر ، معلنة عن موقدها وظهرها موشوم بالتاتو محدقة به ، ولا شيء فيه يوحي بذكوريته غير المعلنة عنها لان السعدون يدرك جيداً أصوله الشرقية التي لا تبيح الإعلان عن الرأسمال الرمزي الفحولي .
الذي ظلَّ كامناً ، مختبئاً ، لكنه غير مسكوت عنه معبر بالإشارة السريعة ، التي يخطفها الخط الأسود ، لترسم دال آيروتيكي . تقدم توصيفاً للمرأة التي تبدّت طرفية ، لكن أنوثتها مكشوفة ، وكأن عبد الكريم السعدون قد اختصر الموقف الشرفي الخاص بالرغبة . وبرزت في تخطيط آخر الثنائية نفسها ، أنوثة وذكورة .
ومثلما تكرر الموقف الثقافي بوضع المرأة وسط حضور جاذب للمتلقي . فهي جالسة أيضاً ، هكذا هي قد اختارها الفنان ، ويعطيها مكاناً رمزياً ، تؤشر عليه حركة سريعة بالخط الأسود ، مع بروز صدرها الذي اتخذ شكلا متبايناً ، لكنه غير مختفٍ ، ودائماً ما يعاود اللعب على الجسد الأنثوي عبر اختزاله ، واختصاره ، ليكشف عن مهارة متعالية بحساسيتها واقتصادها بالخطوط ، ليقدم لنال موديلاً ناقصاً ومثيراً ، كي يتواصل معنا .
هذا التخطيط يفتح نافذة صغيرة على التحقق اللذّي .
يمكن التعامل مع الحضور الأنثوي العالي تمجيدا لاتصال إدخالي ، أو عتبة لمزاولة الرغبة ، لكن هذه اللوحة التخطيطية مجاهرة بالاسترخاء والهدوء ، الذي دائماً ما يكون بعد توتر الجسد بنشوته وحصاده للهارب من الملذات .
المرأة مستكينة ، مستسلمة وهي فوق كرسيها وللفحولة حضور بهلواني ، استعراضي ، متمتعاً بجسد رياضي ، وهو يزاول الجمناستك ، ليعلن لها عبر الحركة عن جسده الخازن لطاقات تمكنه مكن مزاولة شهواته معها .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة