جمال جصاني
بتاريخ 18 حزيران وجه السيد مسعود البارزاني رسالة الى الرأي العام العراقي والكردستاني حول الأوضاع السياسية في العراق، تطرق فيها الى ما حدث في الموصل والمناطق المحاذية لها، وبالرغم من حرص كاتب الرسالة الشديد على الظهور بمظهر المدافع الثابت عن المواقف الموضوعية والمتوازنة في الصراع الدائر والمحتدم منذ سقوط نظام المقابر الجماعية والانفال، الا ان فلتات لسان هذه الرسالة كشفت عن اغتراب عميق لها عن كل ما له علاقة بالعراق والعراقيين، أو الحرص والمشاركة بالتجربة السياسية الفتية المستهدفة من اعتى واشرس القوى المحلية والاقليمية، والتي يعرف ثوار واحرار كردستان ما ينتظرهم منهم بعد حين. ومن المؤسف ان نجد سطوراً فيها وهي تقتفي اثر الفضلات المقبورة في مجال الاورام القومجية عندما تقول: (… انطلاقاً من اخلاقنا الكردية عبر التاريخ التي تجعلنا مع المظلومين ابداً..) والسطور التي تكشف عن فهم مشوه للبراغماتية في نهايتها عندما تقول: (مع رغبتنا ان يعلم الجميع ان اوضاعاً جديدة قد حلت وينبغي التعامل معها بواقعية..).
لسنا بصدد النبش بمثل هذه الديباجات الهلامية عن الاخلاق والبنى التحتية التي تتأسس عليها، فهذا أمر اصبح متاحاً ببركات الكيبورد والتقنيات الحديثة، لكن ما يؤلمنا اليوم هو ان تشرع منظومة الاخلاق هذه ابواب كردستان التي كانت ملاذاً للثوار والاحرار الى المخلوقات والجماعات التي ما زالت تفتخر بمآثرها وغزواتها في حلبجة والانفال. ان المأزق التاريخي الذي يواجه سكان هذا الوطن القديم بعربه وكرده واقلياته القومية والدينية والطائفية، يعود بالاساس الى السياسات الشوفينية والاستبدادية والتي فرضت سطوتها لا على الحكومة المركزية في بغداد وحسب بل شملت الجميع ببركاتها، حيث يصعب العثور على حزب أو منظمة سياسية واحدة تعتمد القيم والمبادئ الديمقراطية في حياتها الداخلية وسياستها الخارجية. ان المخاطر والتحديات أكبر مما تختزله احلام البعض واوهامه في العبث بمعطياتها الآنية العابرة، وهي لن تمكث طويلاً عند معسكرات الشيعة والسنة والكرد كما هو الحال في المشهد الراهن، وكل من يتابع حجم التصدعات الهائلة في قلاع الاستبداد والهمجية ومضارب الشرق، يدرك جوهر الصراع الحقيقي ومغزاه ونوع الفواتير الثقيلة التي آن أوانها، والتي يتوهم البعض ان بمقدوره الاستثمار في حقولها الدموية، وفتل عنقها لرغباته المتنافرة اصلاً والتطلعات المشروعة للامم وحقها في تقرير المصير.