طه الطاهر
كانت «بدريه» في العقد الثالث من العمر، وكان أسمها الرسمي والشائع بين أهالي الوشاش، وهي تعرف ذلك هو «بدريه النشاله» لم يرها أحد تنشل طبعاً، ولكن يقال أن صورتها معلقة في دوائر الشرطة، وبدريه هذه شابة نادرة الحدوث، يحبها الجميع لصفات عديدة يندر وجودها بكثير من الرجال حتى، كانت أمرأة سمراء، وصفرة محببة لا تكاد (هذا لون معظم العراقيات وإلى الان) لم تكن جميلة بمقايسس الجمال السائدة عندما تتأمل وجهها فعيناها صغيرتان وأنف وفم كبيران إلى حد ما… ولكن أستدارة ذلك الوجه وصفاءه، والنعمة والصحة الباديه عليها، والامتلاء والمرح، والقوام الممتلئ الشعبي، والذي طالما يمنح الثوب ظلا خفيفاً لصرتها، هي التي جعلت «بدريه» حلم كل شبان «الوشاش». ولكنه حلم بعيد المنال، كانت دائمة الأناقة، وعندما تظهر، فكأنما هي خارجة من الحمام للتو، وعندما تمشي، فهي مسرعة لا وقت لديها، وكان لا يوقفها شيء حتى النكات السريعة التي تطلقها هي نفسها، أو الابتسامات الدائمة والغمزات.
كانت مشيتها مثل رقصة رصينة مضبوط إيقاعها أذ كانت تهتز كلها، ومن أثر ذلك فأن عباءتها تتحرك كلها فتارةً تضطرب وتعوم، وتارةً تهدأ، وهي تشدها برشاقة وقصد، كما لو أن عاصفة تهب رغم صفاء الجو.
وأن مرت فأن نسمة باردة مفعمة بالعطر تغمرك إلى حين.
وإلى ذلك لم يكن على أخلاقها أي شبهه بل كانت معروفه بأريحيتها وأنخائها، وحبها لمساعدة الآخرين. وقد تزوجت زواجاً ناجحاً برجل قيل أنه مربي خيول، وكان هذا الرجل ليس فقط غريبا عن الوشاش أنما كان ينظر أليه على أنه رجل غريب الأطوار، كذلك رغم أنه لم يتحدث إلى أحد.