عنوان يذكرنا بكتاب لمؤسس كارثة الأحزاب والعقائد والرسائل الخالدة (ميشيل عفلق)، الذي ضم بين دفتيه لملوم من الديباجات والهلوسات ألحقت أفدح الأضرار بمضارب أولاد قحطان وعدنان الممتدة من “بغدان لتطوان”. كما سعى ذلك الكتاب لبعث مومياءات ما افترضه أنها “أمة” وحصدنا برفقته كل هذا الدمار والضياع، نحصد اليوم مع ابتكارنا الجديد (الكتلة الأكبر) حصادا لا يختلف كثيرا عما تعودنا عليه من اجترار للهذيانات واغتراب عما يواجه الأمم والمجتمعات التي عرفت سن التكليف الحضاري. هذا المصطلح الذي طفح عن عملية سياسية ضمت حطام من “الأحزاب والجماعات والكتل والقبائل السياسية..” التي لا تمت بصلة لكل ما له علاقة بالتكتل والتضامن والتراص، تحول الى هدف وغاية عليا لحيتان المشهد الراهن. لذلك سيستمر الهدر في الجهد والوقت والإمكانات لتحقيق أمر لا يمكن لشروط ومناخات الوضع الراهن تحقيقه (الكتل الأكبر) وهذا ما يمكن التعرف عليه بيسر من خلال الجولات واللقاءات المكوكية لما يمكن أن نطلق عليه بـ (الإخوة الأعداء) والذين ألقوا بكثبان خطاباتهم واتهاماتهم المتبادلة وباهضة التكاليف، خلف ظهورهم مؤقتاً كي يتحقق ذلك السراب الدستوري.
من أجل بعث أمجاد “الأمة” ومومياءتها ومصائبها أهدرنا أربعة عقود مثقلة بالكوارث والمحن والمقابر الجماعية، لننتقل منها الى وهم وأكذوبة “الكتلة الأكبر” التي تعيد من خلالها الطبقة السياسية الحالية الممتدة من بغداد لأربيل؛ إنتاج وتدوير نفسها وبضائعها النافقة؛ لتذهب بالتالي كل ادعاءات التغيير والإصلاح الى ذلك الأرشيف الضخم من الفزعات الخائبة. مثل هذه الديمومة للهدر والاستنزاف تستند الى وقائع ومعطيات محلية محضة والى إرث طويل في مجال الاغتراب عن إنتاج الخيرات المادية والقيمية والمعرفية، إرث يمد القتلة والمشعوذين واللصوص بكل ما يحتاجونه كي يتصدروا واجهة البلد وعمليته السياسية رغم أنف الدهر ودقلاته. أكذوبة الكتلة الأكبر هي نتاج طبيعي لأسلوب حياة وسكراب عقائد وقيم، أدمن على صناعة مثل هذه العطابات والمفاهيم التلفيقية. لا شيء سوى الوهم والسراب والعجاج والمزيد منها في بيئة ومجتمعات تزداد ضياعاً وعتمة ببركة قوافل مسكونة ببعث الماضي التليد ورسائله الخالدة.
مشكلتنا لا تتعلق بمثل هذه الأوهام (الكتلة الأكبر) بل بشروط حياة وموروثات مادية وقيمية، عاجزة عن إنتاج نشاط سياسي وقيمي سليم ومعافى، عاجزة عن إنتاج أحزاب وتنظيمات سياسية ومهنية تنسجم والمعايير التي تعارفت عليها الأمم الحرة، ولن نجافي الحقيقة عندما نعترف؛ بأننا كعراقيين (من الفاو لزاخو) لم نعد نمتلك أحزاباً سياسية وتنظيمات ونقابات وجمعيات، تنطبق عليها معايير الحياة الديمقراطية المتعارف عليها بين الشعوب والأمم التي أكرمتها الأقدار بنعمة الصناديق وملحقاتها المجربة. كل ما لدينا هو دكاكين وإقطاعيات سياسية تابعة لعائلات وأشخاص خدمتهم الصدف التاريخية المحضة، وهذه الأقدار لم تستثن عميد الأحزاب السياسية (الحزب الشيوعي) والذي يتمرغ بأرذل العمر منذ زمن طويل. في نهاية المطاف سيفضي منهج الصفقات المجرب بين قوى وكتل التشرذم على أساس “الهويات القاتلة” الى ولادة ذلك الوهم الدستوري (الكتلة الأكبر) وطبعا على أساس المزيد من التفريط بوحدة الوطن وحقوق شعوبه وتطلعاتهم المشروعة في امتلاك القرار الوطني المستقل والاستقرار والمؤسسات والقوانين التي تنتشلهم من براثن مثل هذه الأهداف والاصطلاحات والأوهام المتحركة..
جمال جصاني
في سبيل الكتلة الأكبر..!
التعليقات مغلقة