أحلام يوسف
على الرغم من اننا ضمن مجتمع يوصف بانه ذكوري، لكن للنساء موضع قدم في كل زاوية من زوايا الحياة اليومية العراقية، اذ شغلن جميع المناصب بما فيها المناصب السيادية، فنجد الوزيرة والمديرة والموظفة، وأيضا نجد منهن من لا تمتلك شهادة اكاديمية فاختارت العيش بكرامة والكسب من عرق جبينها بأعمال بسيطة.
التقينا بمجموعة من النسوة اللواتي افترشن ارضيات في الأسواق الشعبية للبقالة او بيع السمك او الخضروات سألناهن عن الظروف التي أدت بهن لان يكنّ بائعات بسوق شعبية:
تجاوزت الستينيات من عمرها، اضطرت الى ان تبيع خضروات في السوق، بعد ان أصيب زوجها بشلل في اثناء الحرب العراقية الايرانية، وكان أولادها ما زالوا أطفالا لا يعتمد عليهم، انها ام عباس ام لأربعة أولاد، تقول:
انا امية، لا اجيد القراءة والكتابة، لكني اعرف جيدا اهميتها بالنسبة للفرد، وخاصة في هذه الأيام، لذلك فقد حرصت على ان يستمر اولادي بدراستهم، ولا ينشغلوا عنها لأي سبب، فقمت بهذا العمل الذي يكفي لسد احتياجاتنا بنسبة معينة، اعترض وقتها اهلي واهل زوجي، بحجة انهم قادرون على تحمل تكاليف معيشتنا، وان العمل ببيع الخضروات في السوق امر مهين لهم امام المجتمع والاقارب، لكني اعلم جيدا انني لو قبلت بما عرضوه علينا وقتها، لم يكن اولادي بالحال نفسه اليوم، فقد كبروا بكرامة، مرفوعي الرأس، اولادي اصبحوا رجالا ويعملون بالتجارة، لكنهم لم يطلبوا مني ابدا ترك عملي، لأني اخبرتهم اني وجدت نفسي به، إضافة الى انهم عرفوا قيمته بعد ان كبروا، لذلك فقد اكتفوا بمنحي راتبا شهريا مجزيا، لكن عملي في السوق اصبح جزءا من حياتي.
على الرغم من انها امية فقد استوعبت أهمية التعليم والدراسة، وهذا ما يفتقر اليه الكثير من “المتعلمين” الذين اجبروا بناتهم وحتى أولادهم على ترك الدراسة لمساعدتهم بأعمالهم، والبنات بالطبع ليلزمن البيت. نزيهة عبد السادة تعمل بمحل لبيع الملابس النسائية تقول: لقد ابتاع لي زوجي هذا المحل مشكورا، وكنت قد طلبت منه ذلك ببداية زواجي، وكان رافضا للموضوع بنحو مطلق، لكن مؤخرا وبعد ان كبر أولادنا وجد انه غير قادر على تحمل تكاليف المدرسة، وبقية احتياجات البيت، فالطفل لا يكلف الاهل مثلما يفعل عندما يكبر، وتزداد متطلباته، لذلك فقد اعدت طرح الفكرة عليه، ووافق فيما بعد، العمل ضرورة للمرأة والرجل، بغض النظر عن السن، فحتى الطفل يمكن ان نحثه على العمل أيام العطلة الصيفية، شرط ان يكون بصحبة احد افراد الاسرة، كي يفهم مصدر المال وكيفية جنيه، فهذا يحمله مسؤولية بنحو ما، ويحببه بالعمل، ويقوي شخصيته، واليوم اصبح العمل للمرأة وسيلة لمساعدة رب الاسرة كي لا يجهد نفسه بعملين يجبرانه على الغياب خارج البيت طوال اليوم.
العمل بمحل تجاري تختلف نظرة المجتمع اليه عن بعض الاعمال الأخرى ومنها مهنة المنظفة التي تعمل بها ام محمد. توفي زوجها وترك لها ثلاثة أولاد وبنتين. لم يكن حال أهلها واهل زوجها ميسورا لمساعدتها ولم تكن تحمل شهادة اكاديمية لان أهلها اجبروها على ترك الدراسة للزواج بابن عمتها. تقول:
لم اشعر يوما بأهمية الدراسة بقدر ما شعرت بها بعد وفاة زوجي، لم يكن غنيا لكن الحياة كانت تسير بشكل طبيعي”. عملت بالتنظيف، لكن أولادها ما ان كبروا حتى باتوا يشعرون بالعار من كون امهم منظفة، تضيف “لقد قلت لهم كونوا رجالا واعملوا واكسبوا وساترك عملي هذا”.
العمل شرف، تلك المقولة نرددها كثيرا، لكننا لا نعمل بها دائما، فالكثير من الاعمال التي نجدها مهينة، هي اعمال شريفة بالفعل، تحتاج الى جهد، وفي دول أوروبية نجد انها مثلها مثل أي اعمال أخرى، محترمة من المجتمع، ولا يعدها أصحابها اعمالا مهينة، او دون المستوى، فهم يؤمنون ويطبقون مقولة او مبدأ ان كل عمل نزيه شرف، فمتى نتعلم ان نفعل ما نقول ونقول ما نفعل.
العمل شرف.. كبرت أم صغرت قيمته!
التعليقات مغلقة