متابعة ـ الصباح الجديد:
لاحقت الاتهامات بسرقة الألحان العديد من الملحنين العرب، بدءًا بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب مرورًا بالأخوين رحباني وبالتأكيد ليس انتهاء بإيهاب عبد الواحد، فما السرقة اللحنية؟ ومتى يعدّ الملحن سارقًا لإبداع الآخرين؟
وفقًا للمعيار الذي وضعته جمعية الموسيقيين لتقدير حالات السرقة، فإن السرقة تثبت بعد نقل 4 موازير كاملة (المازورة هي الجملة الموسيقية) أما الاقتباس فيشمل التنويع على جملة موسيقية واحدة فى لحن ما، وقد يذكر المؤلف الجديد هنا أنه ينوّع على اللحن الأصلي للملحن الأول، وهذا لا عيب فيه وهو أسلوب وتقليد متبع في الإبداع الموسيقي.
تاريخ طويل من السرقات الموسيقية
في عام 1966، قررت الإعلامية ليلى رستم التلميح إلى اتهام قديم يلاحق الموسيقار محمد عبد الوهاب بشأن السرقات الفنية، في حوار أجرته معه لتلفزيون لبنان قائلة «إن البعض يلمح إلى اقتباس عبد الوهاب من بعض الألحان العالمية»، ليرد عبد الوهاب بجرأة «قولي كمان سرقة عبد الوهاب لألحان الآخرين!».
كان ذلك إعلانًا صريحًا من عبد الوهاب عن قبوله الحديث في ما هو مسكوت عنه منذ كتب الصحفي محمد التابعي عن «سرقات الألحان»، ليتابع عبد الوهاب شارحًا «أن تأخذي جملة موسيقية وتضعيها في اللحن يسمى نقلا، ووفقًا للمعيار الذي وضعته جمعية الموسيقيين لتقدير حالات السرقة اشترطت نقل 4 موازير كاملة».
ولكن عبد الوهاب أبدى اعتراضه أيضًا على هذا المعيار قائلًا «وهذا خطأ، لأن العبرة بصدارة الحتة (الجملة الموسيقية)، وبشخصيتها، فمن الممكن أن تتكون الحتة من مازورة أو اثنتين لكن شخصيتها تشعرك أنها مأخوذة بالكامل»، وتابع «أنا فعلت ذلك في بداياتي وتحديدًا في (يا ورد مين يشتريك) التي أخذتها من بيتهوفن، و(أحب عيشة الحرية) التي أخذتها من فلكلور روسي، كان لا بد أن أقول ممن اقتبستهم، وهذه كانت حركة بايخة مني (أمرا غير مقبول)!».
سرقات واقتباسات عبد الوهاب
في هذا اللقاء من عام 1966، تحدث عبد الوهاب عن الاقتباسات المأخوذة التي لا ترقى إلى السرقة بـ4 موازير، لكنه تجاهل الحديث عن الألحان التي سرقها كاملة، منها مثلًا لحن «يا مسافر وحدك- 1942» الذي نقله كاملًا من لحن الأغنية اليونانية «Poso Lypamai» (آسفة بشدة) للمغنية صوفيا فيمبو الصادر عام 1939.
كما لم يتحدث عن مقدمة «جفنه علم الغزل 1933» التي نقلها من مقدمة الأغنية الكوبية «بائع الفول السوداني» (El Manisero)، 1930، وأيضًا لم يعتذر موسيقار الأجيال عن سرقته لحن أغنيته «عاشق الروح» التي نقلها من أغنية ظهرت بفيلم ألف ليلة وليلة، إنتاج 1945، وأيضًا أغنية «يا قلبي يا خالي» التي لحنها لعبد الحليم حافظ، في حين اقتبسها من أغنية راي تشارلز «اضرب الطريق يا جاك» (Hit the road, Jack).
عبد الوهاب يرتدي «ربطة عنق» الموجي
اتهامات السرقة اللحنية التي شملت عبد الوهاب لم تقتصر على الألحان العالمية أو الغربية فقط، بل وجه له بعض الملحنين المصريين الاتهام ذاته، فقد جاء في مقال للصحفي والناقد طارق الشناوي نُشر في جريدة «روز اليوسف» المصرية في عام 1991 «حكى لي الموسيقار محمد الموجي عن لقائه الأول بعبد الوهاب، وذلك بعد أن استمع إلى أول ألحانه (صافيني مرة)».
وطلب عبد الوهاب من الموجي أن يسمعه بعض ألحانه الأخرى فعزف على العود أغنية «أكتب لك جوابات واستنى ترد عليه»، ورشّح له عبد الوهاب ليلى مراد لتغني هذا اللحن، وبعد ذلك أسمعه الموجي لحنًا آخر، ولكن عبد الوهاب لم يرشح أحدًا لغنائه. لم يمض على هذه الواقعة أكثر من أسبوع حتى وجد محمد الموجي أن لحنه يغنيه عبد الوهاب بصوته ولكن بكلمات أخرى كتبها الشاعر حسين السيد وقد تغيرت كلماته إلى «أحبك وأنت فاكرني وأحبك وأنت ناسيني».
غضب الموجي وذهب إلى عبد الوهاب محتجًّا، فاسترضاه عبد الوهاب قائلا «إن الأب عندما يعجب بكرافات (ربطة عنق) أحد أبنائه، فإن من حقه أن يستعيرها، ومنذ ذلك الحين والموجي لا يُسمع عبد الوهاب أي لحن له قبل أن يقدمه للناس».
سرقات الرحابنة الموسيقية.. إعادة إنتاج
لم ينكر زياد الرحباني نفسه أنه اقتبس عددًا من الألحان التي قدمها لوالدته السيدة فيروز، منها ما ذكر بوضوح على غلاف ألبوم «معرفتي فيك» الصادر عام 1984، إذ ذُكر أن اللحن الأصلي لأغنية «لبيروت» مقتبس من مقطوعة «كونشيرتو دي إرانخويز» للموسيقار الإسباني خواكين رودريغو الذي قدمه عام 1940.
لم يكن لحن «لبيروت» اللحن المقتبس الوحيد الذي غنّته فيروز، إذ تعدّ أكثر المطربين العرب التي غنّت ألحانًا مقتبسة من موسيقى عالمية، إما في تعاونها مع الأخوين منصور وعاصي الرحباني أو ابنها زياد، ففي ألبوم «شو بخاف» الذي قدمه زياد الرحباني مع فيروز، اقتبس زياد عددًا أكبر من الألحان.
وقال عنها في ذلك الوقت إنه لم يستطع مقاومة رغبته في سماع صوت فيروز يعانق ألحانا غربية وقع في غرامها، فقدم لحن «بيذكر الخريف» الذي اقتبسه من مقطوعة «أوراق الخريف» للموسيقار الفرنسي جوزيف كوزما، وكذلك لحن أغنية «شو بخاف» المقتبس من مقطوعة «صباح الكرنفال» للموسيقار البرازيلي لويس بونفا.
كما قدمت السيدة فيروز نسخة عربية من أغنية «بيتي بكندا» (MA CABANE AU CANADA) للمغنية لين رينو التي يعود لحنها الموسيقي إلى المؤلف الفرنسي لولو غِستيه (Loulou Gasté)، في أغنية «بيت صغير بكندا». ومن السمفونية رقم 40 لـ»موتسارت» اقتبس زياد رحباني لحن أغنية «يا أنا يا أنا» التي غنتها فيروز عام 1972.
ومع الرحابنة عاصي ومنصور، اقتبست فيروز مجموعة ألحان عالمية، لتعيد إنتاجها بكلمات عربية، منها ما لا يصعب على الأذن اكتشافه مثل أغنية «تراه» المقتبسة من الغرب عن لحن الموسيقي الأميركي نات كينغ كول «ربما» (Quizás)، التي غنتها أيضا الأميركية دوريس داي بالإنجليزية في أغنية «Perhaps».
ومن الشرق اقتبس الأخوين رحباني كذلك لتقديم أغنية «كانوا يا حبيبي» عن الموسيقى الفلكلورية الروسية «Polyushko Polie» التي تعني «حقولي»، فضلًا عن ألبوم «ببالي» الذي جاءت جميع أغنياته مقتبسة عن موسيقى عالمية من موسيقى فرنسية وبرازيلية وحتى من أغنية «تخيل» (Imagine) الشهيرة لجون لينون، التي جاءت في النسخة العربية «يمكن».
بالطبع لاحقت هذه التهمة العديد من الملحنين على مدى تاريخ الأغنية العربية المعاصر، منهم عمرو مصطفى ومحمد رحيم وحميد الشاعري، ويمكنك التعرف أكثر على الملحنين المعاصرين المتهمين بسرقة الألحان عبر قراءة «الغزالة رايقة» ليست الأولى..