الدهشة والتأويل في قصص «عربة الصمت« لإبراهيم سبتي

امل رفعت

عربة الصمت ، مجموعة قصصية تمس كل قارئ يعيش في أي مكان من الوطن العربي؛ هي عربة من الدهشة في قطار الحياة، هي تلك العربة التابعة لقطار ما و تسير بالرغم عنها؛ حاملة دوافع نفسية واجتماعية وسياسية تدفع أصحاب هذه الدوافع إلى التمسك بعربة الصمت، وبالتأكيد هذا العنوان يحمل الكثير من المعاني وفي نفس الوقت هو عنوان قصة من ضمن المجموعة القصصية والثرية في ذات الوقت؛ قصص تعبر عن الواقع والإنسان المعاصر وغير المعاصر، لأنه بمرور الأزمان تبقى معاناة الأنسان التي تدفعه إلى ركوب عربة الصمت، وهناك بعض القصص كان لابد من الوقوف عندها والتعليق عليها تعليقًا وافيًا منها:

عربة الصمت هي أول قصة في المجموعة القصصية وبالرغم أنها لا تبدأ بفعل لجريان الأحداث، إلا أن المشهدية في البداية رائعة أغنت عن بداية بالأفعال وتصوير القطار يجعل المتلقي مسافرًا يجلس مع باقي المسافرين، وبالرغم من ثبوت المكان وهو عربة القطار؛ إلا أن الحركة متوفرة بداية من اختلاس النظر من جهة الرجل الثلاثيني للمرأة والعجوز الناظر عبر النوافذ للخارج، بالرغم من الوصف الذي هو تيمة الرواية إلا أنه كان وصفًا مشهديًا يثير التساؤل والتأويل على الشخصيات، ويشد الانتباه أكثر نحو النص. تراكم النفايات في الممر بين الركاب يعد معادلًا موضوعيًا لاستخدام تلك النفايات في شيء ما مستقبلًا وهذا ناجح جدا في النص. جاءت النهاية مباغتة وغير متوقعة وكانت موحية بالتساؤل وإشراك المتلقي في التأويلات، فهل العربة هي عمر البطل في النص الذي حكى شريط حياته حتى ترك كل الناس؟ وهل الحكّاء هو البطل أم كان الحكّاء في النص هو من قتل؟ وهناك تأويلات أخرى لا نستثني منها تأويلًا سياسيًا بالطبع، والنفايات قد تكون مخلفات الحروب وقد تكون ذنوب البشر، في الحقيقة النهاية كانت موفقة جدًا. استخدام لم مع الفعل المضارع (استطيع) دل على الماضي بينما الحكي في زمن المضارع، إذًا وجب استخدام لن مع هذا الفعل وبذلك أصبح الحدث مستقبليا.

خيول بدينة
العنوان كان البداية التي يُعرف بها القارئ كيف استخدمت الخيول البدينة هي ثمة ليست في الخيول إلا إذا كانت لا تعمل وتأكل كثيرًا كتناص للحاكم ومن معه في القرية.
هناك صلة بين كتاب التاريخ وبين بطل القصة الذي يسرده في ذات الوقت، وهي علاقة تنص على أن من يجد سبيلًا للتحرر والخلاص يخلد اسمه في التاريخ وهذا بطريقة غير مباشرة على الإطلاق، وبالرغم من أن البطل السارد وضح ما ينم على أن أباه هو قاتل المأمورالإنجليزي بخروج الأب وقتله، والسارد يعلم ذلك بالتأكيد لأنه هو القاص لذا كنت أرى أن القصة قد انتهت عند الجملة «بأن المأمور الإنجليزي قد قنصه أحد الشيوخ المعروفين في القرية» وبهذا قد ترك المتلقي يتأكد بنفسه أن أباه هو البطل بالعودة إلى النص مرة أخرى.

الشارع الوحيد الخالي
يصور لنا المؤلف بطريقته البارعة المحملة هموم مجتمع بأكمله لكنه اختصره في شارع ضيق، هذا الشارع الضيق ربما كان صورة مصغرة لوطن عربي وأمة كاملة، فالفتاة المحترقة رأيتها في مصر والجزائر والعراق، والرجل المختفي كان في تونس وليبيا والمغرب واليمن والجزائر، والبيت المسكون والذي ربما اختفى فيه الرجل والذي اختبأ به العائد، له تأويل، وتأويلي الشخصي أن الخرافات هي البيت وهي التي يختبأ وراءها الناس ويلحقون بها كل ظلم وقع عليهم، وربما كانت الأعراف أو التقاليد، والأرجح غربة الأنسان بداخل الوطن ،فهذا النص مفعم بالإحساس وقفلته جاءت مناسبة جدًا. الأهم من التأويلات أن كل من سيقرأ هذا النص سوف يشعر أنه جزء من المكان وواحد من سكانه.

امرأة الفنجان
نص تتصارع فيه الأحداث ورحلة البحث وراء الخوف، وفي كل فقرة يؤكد لنا السارد أن الجموع تتحرك وراء خوفها وأن من يشيع الخوف هم حراس هؤلاء البشر أما المعادل الموضوعي المستخدم بنجاح فهو شخصية قارئة الفنجان، وهذه القصة تلعب على أوتار استخدام الساسة لعلم النفس في التأثير على الشعوب، وأرى أن السارد قد صاغ هذه القصة بنجاح متفرد.

المرهوب
المشهدية في هذه القصة رائعة؛ بحيث تأخذنا ألسنة النيران التي اندلعت في نفس عانت منذ صغرها، وحُملت بحمل الأرض المحروقة انتقامًا من الذات قبل أي شيء آخر، وانفصالًا عن الواقع المحاط بعذابات الذكريات الأليمة المبنية عل أطلال مدينة.
نرى أن العنوان قد لعب دورًا في فك اللغز وإبراز المرض النفسي الذي بدأ في اندلاع النار في عقل طفل صغير، كل شيء يُكمل نظيره والكلمات والمشابهات تتلاعب بالقارئ لتصرح له منذ البداية لكنه يصر على إغفال التصريح والجري وراء أحلام البطل أو…..أوهامه.

النوم في الحرب
فلسفة الموت في هذه القصة خاصة جدًا فالموت يعادل الحياة، ويعادل النوم ويعادل الحرب، ويعادل عدم النوم، ويعادل المرض، الموت هنا قضية؛ فأنت في جميع الأحوال نائم، فهل نستطيع أن نجادل المؤلف في فلسفته، لا بالطبع لأن الموت حقيقة مؤكدة وعند الطغاة وسيلة، وعند المظلومين هروب من الواقع، في جميع الأحوال هم أموات.

حلمي الأكبر في الحياة
هذه القصة بها من التصوير التلقائي ما يؤجج مشاعر المتلقي، كيف يكون العيش وسط ظلم الاحتلال، الاحتلال الذي قيد العراق وظل العدو يعلن الحماية على هذا الوطن وشعبه العريق، يصور السارد أهمية الكلب الذي لعب دورًا معنويًا في تصوير المشاهد بين المقاومين المشبه أحدهم بالقط، الذي فر بداخل أحد الدور، إنها لعبة المراوغة والاستهتار بمن يحاول النهوض بعد الوقوع في براثن العدو، والنهاية كانت خروج الكلب بنجاح مع صاحبته الأمريكية وهي نهاية تحمل الكثير من المعاني ومن المعروف أن الكلب وفي، لكنه في النهاية لا يعرف سوى صاحبه.

ملاحظات سردية
_ من الملاحظ اقتصار دور المرأة وربما كانت شبه مختفية من القصص، وكأن عربة الصمت مجموعة قصصية لسيرة ذاتية، وهذا لا يعيب تلك القصص الثرية ذات الأحداث المتلاحقة والمتعلقة بقضايا سياسية واجتماعية تشير إلى العراق بعينها، وفي قصة (الممثل) كان هناك دور رقيق لفتاة منتحرة لكنه كان إسقاطًا على شيء آخر؛ فالممثل الأمريكي صاحب أفلام الكاوبوي لا يموت وهذا إسقاطًا آخر؛ فالمؤلف مهموم بأحزان الوطن وما يمر عليه من تصاريف نتاج سياسات وقحة، كذلك ظهر دور بسيط لامرأة عجوز في قصة (رغبة التخفي في لندن) إنها قضايا الوطن والهموم التي حلت على العراق صاحب الحضارة العظيمة وصاحب دجلة والفرات والموارد والثروات الطبيعية.
لا يسعني في النهاية إلا أن أقول أنني كقارئ قد استمتعت بهذه المجموعة الصريحة الواعية والصادقة جدًا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة