ذكورة الخطاب ودوافعه الفولو قراطية

راوية الشاعر في خيول ناعمة (1)
عيد الغفار العطوي

1 – أكدت الناقدة سارة جامبل في كتابها ( النسوية و ما بعد النسوية )في استعمالها للنظريات الخاصة بالنقد النسوي عن اربعة انماط من الفروق هي : البيولوجي ، و اللغوي، و التحليل النفسي، و الثقافي ، مطالبة بضرورة ان تعبر المرأة عن كل ما لديها و ما تحس به ، و ان كل ما تكتبه نسائي (2) بمعنى ان العالم يميل الى الانثى ، و إن الذكر يأتي ثانياً ، و ان الخطاب الذي تتعامل معه يجب ان يكون انثوياً ، و ان اللغة بالتالي الوسيلة التي تثري جوانب الخطاب لا بد ان تخضع لرؤيتها المؤنثة ، لكننا نجد تلك الرؤية في غير ذلك ، في الثروة المعجمية التي تكمن في القواميس ، إذ تعكس القواميس التي يؤلفها الذكور ــ غالباــ رؤية احادية للعالم من الناحية الجندرية (3) و ان معجم ابن منظور ( لسان العرب) يقدم المذكر قبل المؤنث ، بل تذكر المعاجم كلها تقريبا ان الاسبقية للذكر لأسباب هي خارج سياق اللغة ، أي الى الفضاء المرجعي، و ليست المعاجم العربية قديمها و حديثها بأفضل حالاً ، فإذا ما استعملت المرأة اللغة الجنسوية فإنها تضعها في خطاب كي يثري أنساقها الانثوية الأيروتيكية من دون ان تعي إنما هي تفعل ذكورة الخطاب مما يعني وقوعها فيما يسمى ( القضيبية أو حكم القضيب ) و يكون خطابها مردوداً عليها فيما يتعلق في الاشارات المخترقة لوجودها ( الانوثوي) أي العرض الباذخ المجاني لجسدها ، فإذا ما تعاملت مع اللغة يظل التحدي بالنسبة لها معجمياً هو التعارض بين وعيها الانثوي الخاص وإمكانات اللغة التي هي بيد الذكر.
2 – الشاعرة راوية الشاعر في نصوص منتخبة لمجموعتها ( خيول ناعمة ) سنعرف إن النصوص هذه تكتظ بلغة جنسوية مدمرة لبنيات نسقيتها الانثوية ،بدءاً من بنية العنوان ( خيول ناعمة) بدخول معنى ( خيل ) اسم جمع، و جمعها ( خيول) مقترنة بـ ( ناعمة) أي إن ( خيل) مذكر و (ناعم)ة مؤنث و الغلبة للذكر و ليس الذكر كالانثى في تساوي المداليل المعجمية و الخطابية ، ففي العنوان تبدأ محنة الخطاب الذكوري ، و تستمر الى النصوص زد عليه إن الشاعرة و هي تكافح في تخليص خطابها الشعري من الإيماءات الذكورية تغرق في وحل جنسوية اللغة، بل إن الخطاب الذكوري الذي تتلبسه يسحب الشاعرة الى حكم الفولوقراطية في إيحاءات (الاغتصاب) و هو فعل قضيبي يستعمله الذكر في إثبات سلطته الفحولية ، الشاعرة في نص (زمن الطحالب ص 15) تضعه في سياق آخر رمزي معنوي بيد إن الفولوقراطية تشكل مرموزية الانتهاك الجسدي بسبب الانزياح المعجمي بشاهد الغائب على الحاضر
الوطن عروس مدللة بالاغتصاب
تلد في مساء صباحها صناديق
ملونة ، و الطحالب الخ كذلك استعمال ذكورية الخطاب في مفاعيل الذكر في الاستعداد القضيبي في ( انكسار الكسل )ص 21
ارقني ب تسابيح اللمس
اتل علي خرس الاجساد
صلاة الصرخات
اطلق سراح الفساتين الخ و الوسائل الانثوية التي تتسلح بها الانثى في كسر هيمنة الذكر عليها نجد الشاعرة راوية تعكسها الى ملامح لخطاب الذكوري بسبب اللغة التي ترفض المهادنة في (نزال ص 29)و ذكورة الخطاب تتجلى في العنوان الجنسوي المراوغ
ضعيفة ازرار الشوق
لا فساتين لها سوى الحروف
تغمس الخصر بمحبرة الغياب
ليرسم ارتعاشة
على ورث اخرق
و في ذروة الاستعمال الذكوري من قبل الشاعرة تصطدم في الرؤية الذكورية بالسياقات نفسها كما في ( شهداء البوح ص33) لميلها الى رسم معالم الذكورة على قيد تعاملها اليومي
( قلت له : الشعراء فقراء
قال : لا تجوع القصيدة في بيت شاعر)
شبعت من صدر عجز
وعطشت في عجز بيت
فراحت دلال العجز
تفيض ب انكسار فمي
و من تداولات الذكورة فيما يتعلق بخاصية تعاملها مع الانثى ايروتيكيا التعري التي تعني جزءاً من اهتمامات القضيبية عند الذكر ، لكن راوية الشاعر التي تدفع ب( قدسية التعري ص 39) الى سياق مختلف لا تستطيع البنية الصوتية ولا المعنوية التي يضعها القاموس في إطار لا تنفع بها فكرة الازاحة
ايتها الطائفية
لم يكن نسيج التركيب عاقا
ايتها الفتنة
لم تكن الوقيعة مهلكة
لهذا الشاعرة تقع ضحية خدعة اللغة التي تبرز الانتهاك الفولوقراطي للانثوية المرأة التي تحاول راوية الشاعر ان تتنكر خلفها ، بيد ان اللغة مادامت ذكورية فهي تتحصن بالتراتبية اتي صيغت بها تراكيبها البنائية ، ففي خيول ناعمة إيجاز لما هو مطلوب قوله من جانب استعمال الشاعرة لاسم الجنس ( خيل) و هو مذكر بدلا من اسم الجموع ( خيول) و هي مؤنثة ، مع إنها عنونت مجموعتها ( خيول ناعمة)و هو شرط ملزم من قبل اللغة الذكورية لامتلاك الانتهاك الطبيعي للخطاب سواء ادركت الشاعرة ذلك ام لا !!
انت تقرع بي
إيذاناً بالخطر
ف تجمعت كل الحواس
تحمل الفم ك سارية
و العنق كخيل جامحة
الشاعرة استبدلت ( خيول ) ب خيل ووضعت نعت جامحة بدلا من ناعمة ، مما يعني ان الارسال الذكوري في خطابها هو الشغال لأجل مزيد من الاستيهام القضيبي الذي يحرك الخطاب الشعري للشاعرة من منطلق ذكورية الخطاب المتأثر باللغة الذكرية

إحالات
1 – خيول ناعمة شعر راوية الشاعر دار المرتضى الطبعة الاولى 2014
2 – مدخل في نظرية النقد النسوي و ما بعد النسوية حفناوي بعلي الدار العربية للعلوم – ناشرون الطبعة الاولى 2009 ص45
3 – انثى اللغة زليخة ابو ريشة دار نينوى دمشق 2016 ص 32
4 – المصدر نفسه ص33

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة