يوسف عبود جويعد
يتماهى المنحى الميتاسردي مع النص الأصل في رواية (الجبان) للروائي ياسين شامل، بشكل ملفت للانتباه، ففي الفصل الأول من الرواية، نتابع رؤية فنية مختصرة عن بعض التفاصيل من الأحداث التي سوف نتابعها بشكل أوسع وأكبر أثناء متابعتنا للحركة السردية لهذا النص الروائي، حيث ينبري، بطل النص ليسرد لنا هذه الأحداث المختصرة عن مضمون الرواية والذي أسماه (البنغلاديشية) شأنه شأن الفصول المتبقية من هذه الرواية، وعند انتقالنا الى الفصل الثاني الذي أسماه (الفصل الأخير)، نكتشف أن منصور قد كتب رواية غير مكتملة الأحداث، بسبب أنه لم يستطيع إكمال الفصل الأخير ووعد صاحب الدار أن يكمل الفصل الأخير منها خلال أيام، وقد أطلق عليها عنوان (الجبان) وهذا يعني أن متن الرواية تماهي ضمن منحى الميتاسرد، حيث أننا نتابع رواية تحمل ذات العنوان، وهذه محاولة جديدة بجعل الحالتين متصلتين لتقديم ذات المسار السردي، إذ سرعان ما ندخل الى المبنى الميتاسردي، دون تمهيد أو إشارة أو حتى إعلام القارئ بأي وسيلة بأن عملية السرد سوف تنتقل إلى هذا المنحى، وقد يكون ذلك ناتجاً عن عدم إرباك القارئ بهذه التفاصيل التي تتعلق بعملية بناء النص من الناحية الفنية دون سواه، ومما يثير الاهتمام أيضاً أن صاحب الدار الذي سيقوم منصور بنشر روايته لديه، حضر تفاصيل مهمة تهم هذا المنحى، حيث طلب منه الانتظار وإن لم يأتِ، أو إذا اتصل فيه ووجد هاتفه مغلقاً فعليه عندئذ القيام نيابة عنه بإكمال الفصل الأخير وطبع الرواية، ثم ننتقل الى عملية بناء شخصية منصور، الذي يحمل صفات الجبان، المتردد، المستسلم، الخنوع، المطيع لأوامر مرؤوسيه، فهو يعمل بشركة تهتم باستقدام العمالة من دول مختلفة، للعمل داخل البلد، يترأسها (ك) وهو ابن عمه، وأن منصور خاضع ويطيع أوامر ابن عمه دون جدال، وهنا أود الإشارة الى أن الروائي أشار بالرمز (ك) لاسم ابن عمه، والرمز (ن) لأخت أبن عمه، أما بقية الشخوص فقد كانت بالأسماء وحتى الحقيقية منها، مما يدل ذلك على أن هذا النص الروائي يميل الى الصدق والحقيقة في تناوله، ويبتعد عن الخيال، وسنجد أيضاً نمطاً آخر يدخل ضمن مسار السرد ألا وهو الرواية البوليسية، حيث سنكون مع الغموض الذي اكتنف مقتل (سمر) وهي على علاقة ببطل الرواية منصور، ومحاولة منصور العثور على الخيوط الرئيسة التي تمكنه من الوصول الى القاتل، وهكذا تفتح أمامنا مغاليق الأبواب الموصدة لهذا النص الروائي، فنكتشف العمل السري وغير الشرعي الذي يقوم به (ك) تحت مظلة اسم هذه الشركة، وفي كثير من الأحيان يكلف منصور للقيام بمهمات مريبة ومثيرة للشك، دون أن يرفض، بل أنه يقوم بها بطاعة عمياء، مما تتولد لدى المتلقي أن الروائي استطاع أن يقوم بمهمته من خلال تنامي شخصية منصور وإلصاق صفة الجبان له:
(قبل أن أتفوه بكلمة، انتزعته بقوة، سمعتها تسبني، لو قالت عني جبان، ما كنت أهتم، لعلها قالت الحق، فأنا أعترف مع نفسي بأنني لست شجاعاً، كنت أجد صعوبة بالكلام، لكنها وصفتني بكلمات بذيئة اصابت رجولتي بكلامها) ص 35
وهكذا ندخل خضم الأحداث مع تواترها وسخونتها، لنكون مع منصور، وهو يعيش تفاصيل حبيبته التي قتلت والبحث عن القاتل، وعلاقته بسفانة زميلته في الدراسة الجامعية التي ظهرت من جديد وهي تعمل ضمن شبكة (ك) حيث إنها زوجة بالسر لأحد المسؤولين الكبار، وكذلك إصرار (ك) على زواج منصور من اخته (ن)، كما أنه بدأ يتربص ويتربص معه القارئ تفاصيل الاعمال التي تميل الى الفساد من قبل (ك):
(ما زلت في قيد الانتظار، وأنا ارتشف القهوة المرة. داخل الصالة (ك). معه صديقان وأربعة من مسؤولي الدولة، كأنهم الحكماء، توجه ك. نحوي مباشرة. الأم مهم، كان يرتدي بدلة زرقاء غامقة، ألقى عليّ التحية. كان في صوته نبرة لم أتعودها من قبل، بلا مبالاة، جلس على مقعد سمر، فأصبحنا جنباً إلى جنب. لأول مرة أشعر أنه يجد صعوبة في الكلام) ص 49
وهكذا نتابع تفاصيل مريبة لأعمال يقوم بها (ك) مع بعض المسؤولين في السلطة، وتدر هذه الاعمال عليه مالاً وفيراً، وهكذا يبرز خيط يشير الى شخصية (ك) فهو لا يتوانى عن الانتقام وسحق كل من يقف في طريقه، ويحاول منصور استدراج جنّات العاملة البنغلاديشية التي تعمل مدبرة منزل في بيت منصور، لأنها تعرف تفاصيل كثيرة عن مقتل سمر، ويعرف من خلالها أن من قام بقتلها هو (ك) لأنها أرادت ان تفضح أعماله المشينة على القنوات الفضائية، وهنا يحاول منصور أن يتخلص من حالة الجبن والخنوع والوقوف بوجه (ك):
(هل يمكن أن أتجاوز وضعي؟ وأصبح رجلاً شجاعاً، أم أبقى متخاذلاً؟ أخوض مع ك. في الدرك الأسفل) ص 157
وهكذا وبعد أن نكتشف أن سمر واحدة من الناشطات والحاضرات في التظاهرات التي تطالب بوطن فيه الامن والامان، يتقدم منصور ويقف أمام احدى القنوات الفضائية ليتهم (ك) بمقتل سمر.
ثم وأخيراً نعود الى الفصل الذي حمل اسم (الفصل الأخير 2) بعد أن نكتشف القبض على منصور بتهمة مقتل سمر، والسبب أن (ك) دس المسدس الذي قتل فيه سمر في الجرار الامامي للسيارة، فقد عدنا الى صاحب الدار الذي تركت عنده المخطوطة لرواية (الجبان)، وعندما تأخر منصور عن الحضور والاتصال به وهاتفه مغلق يقوم صاحب الدار بإكمال الفصل الأخير من الرواية، وفيها عملية القبض على منصور بتهمة مقتل سمر، وكذلك نقل احدى القنوات الفضائية القبض على قاتل الناشطة سمر.