منذ البداية، تتسارع الأسئلة في ذهن القارئ وتتلاحق، وأول هذه الأسئلة: ما معنى الأرقام التي تشي بها صفحة العنوان (649.37.5)؟ وما هي دلالاتها؟ ولماذا تُضاف إلى العنوان الرئيسي في رواية “يوميات طفل سعودي في بغداد”؟
وبقراءة متأنية لعتبة العنوان نجد أنّ هذا الغموض يوظف في خدمة النص كما أنّه يأخذ وظيفة إغرائية وتحفيزية يطرح من ورائها الكاتب تصورات جديدة ورؤيات حداثية، تكفل له توصيل خطابه الروائي دون السقوط في المحاكاة والنقل التي ربطت بين الفن الروائي والواقع؛ وبنفس الوقت تحيل إلى الفضاء الداخلي للرواية: إما تصريحاً أو تضميناً، كما أنها تحتوي على أهم الثيمات المهيمنة على النص الروائي فالأرقام تُكملِّ العنوان، وكأن الكاتب يختزل الرواية بصفحة الغلاف الأولى؛ زمان، ومكان، وموضوع الرواية.
ولعل الكاتب سفيان خالد السعدون يبتغي بذلك التعريف لمكان محدد هو فضاء الأحداث في الرواية، بما يمثله من أهمية كبيرة فيها، ثم يترك للقارئ حرية تصور (عراقِ التسعينيات)، وإلى أين تقوده ذاكرته عن تلك المرحلة بالتحديد، وما صاحبها من أحداث وتغيرات داخلية وخارجية، طرأت على المجتمع، وأثرت على أفراده، والعابرين إليه أبطال روايته في “عبور اللاعودة”….
ترسم رواية “يوميات طفل سُعودي في بغداد” مدارات اغتراب مميزة في اختياراتها السردية؛ فهي تشكل رغم تقاطعاتها الدرامية العديدة وحدة نصية متجانسة، وبناءً أسلوبياً بليغاً في التقاطها لدينامية الحياة في مدن العراق وخاصةً في عقد التسعينيات وهي الفترة التي أعقبت حرب الخليج الثانية بما فيها من عقائد وسياسة، وعادات وتقاليد وموروثات وملبس ومأكل وطريقة حياة جسدتها شخصيات الرواية. ويفعل الكاتب السعدون ذلك من خلال رصده رحلة عبور عائلة سعودية “الحدود الأُردنية – العراقية” إلى بغداد، فكان هذا العبور بمثابة الإيذانَ بحياةٍ عراقيةٍ عاشها الطفلُ السعودي وعائلته.
على هذه الوتيرة يكتب سفيان السعدون روايته بنزعة كاتب اليوميات الذي يتجاوز الذات الكاتبة ليطول بكتابته يوميات الآخرين؛ هواجسهم، أحلامهم، انشغالاتهم، وربما كانت “يوميات طفل سعودي في بغداد” مستمدة مادتها الحكائية من وقائع وأحداث تمتعت بوجود واقعي في حياة من كتبها. بما فيها من اعترافات وتعبيرات قولية: “وما أنا إلا القلمُ الذي سيكتبُ لكم يوميّات سيف.. (بعضَ) أيّامِ الطفلِ السعودي في بغداد.. كما يريد هو أن تقرؤوها!”، وبهذا الصنيع الفني المتميز الذي لا حدَّ لغوايته؛ نجح الكاتب السعدون في استغلال كل ممكنات هذا الأسلوب – كتابة اليوميات – أدبياً لخلق انزياحات فنية ملحوظة في كتابة (رواية اليوميات) وذلك من خلال اهتمامه بالعناوين والمقدمات، والملاحظات الهامشية، والعبارات التوجيهية والصيغ التعبيرية (أشعار، مذكرات، وثائق، وأخبار) وأهمها النهاية المفتوحة.
“لا ختامَ لهذه اليوميّات.. لأنها يوميّات حياة!”. فهل يكون اختيار الكاتب السرد بأسلوب الرواية المفتوحة النهاية (Ended – Open) بمثابة الإعلان لرواية جديدة تكشف الأسرار والخبايا التي ظلّت معلّقة ولم يتم تفسيرها حتى آخر سطور هذه الرواية؟
صدرت الرواية عن الدار العربية للعلوم ناشرون، وجاءت في 200 صفحة.
*عن ميدل أيست أون لاين