فاضل الدلوي
يوما بعد يوم تزداد سخونة السباق الرئاسي في العراق مع إقتراب موعد عقد الجلسة البرلمانية والشروع بإنتخاب الهيئة الرئاسية للبرلمان ثم إنتخاب رئيس الجمهورية للدورة القادمة . وفي خضم هذا السباق المحموم تزداد أيضا الأسماء المرشحة لشغل المنصب الذي يفترض أن يكون من حصة الاتحاد الوطني الكردستاني كما في الدورات السابقة وفقا لتفاهمات وإتفاقات مسبقة بينه وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني ، حيث هناك إتفاق تم التوقيع عليه منذ عام 2005 عند إنتخاب الرئيس الراحل جلال طالباني يقضي بمقايضة منصب رئيس الجمهورية بمنصب رئيس إقليم كردستان الذي ذهب الى مسعود البرزاني لثلاث دورات متتالية .
كثرت في الآونة ألأخيرة المداولات ومعظمها تجري من وراء الكواليس وفي الغرف المغلقة لترشيح أسماء لشغل المنصب على الرغم من أنه يفترض أن تنحصر الترشيحات داخل الاتحاد الوطني بإعتبار المنصب من حصته ، ولكن يبدو أن هناك أطرافا سياسية تلعب لعبة المصالح والإمتيازات من وراء الستار، وفي مقدمتها الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يريد الاستحواذ على هذا المنصب بشكل أو بآخر ، رغم أن هذا الحزب وزعيمه قاد قبل سنة تقريبا عملية إستفتاء لفصل كردستان عن العراق ، ولكن الضغوطات الدولية والإقليمية حالت دون تحقيق هذا الهدف ، ما دفع بهذا الحزب الى العودة للصف الوطني .
بحسب تصريحات صدرت عن قيادات في الديمقراطي الكردستاني يبدو أنه وضع عينه على المنصب . ففي تصريحات منسوبة لقيادات هذا الحزب خرجوا بالقول أن منصب رئيس الجمهورية يخضع لمبدأ إحتساب النقاط ، وأن حزبهم حاصل على أكبر عدد من النقاط وعليه فإن المنصب يجب أن يكون من نصيبهم ، غافلين بأن هناك إتفاقات سابقة تحتم عليهم ترك المنصب للاتحاد الوطني مقابل شغلهم للمناصب السيادية في الإقليم ( رئيس الإقليم ورئيس الحكومة ) ، خصوصا وأنه حسب الواقع الراهن لم تبق لدى الاتحاد الوطني وهو القوة الثانية في كردستان أية مناصب مهمة بعد إستحواذ الحزب الديمقراطي على مناصب ( رئيس الإقليم ورئيس الحكومة ومحافظي أربيل ودهوك ، ومحافظة السليمانية حاليا بيد حركة التغيير، وهناك محاولات من برزاني للإستحواذ على منصب محافظ كركوك أيضا ومقايضته بمنصب رئيس الجمهورية ، وبذلك لا يبقى أمام الاتحاد الوطني سوى منصب رئيس الجمهورية الذي يبدو أن الحزب الديمقراطي يضع عينه عليه أيضا !.
وفي هذا الاطار يجرى الحديث عن أسماء معينة من قيادات الديمقؤاطي لشغل المنصب منها هوشيار زيباري وفؤاد حسين وروز نوري شاويس ، ولكن زيباري متهم بالفساد ومن الصعب قبول ترشيحه من قبل هيئة النزاهة، وهناك خوف من نجاح الباقيين لنيل المنصب بسبب الموقفين الشيعي والسني من طموحات الإنفصال لدى زعيم هذا الحزب ، ولذلك تلجأ قيادة برزاني الى سلوك طريق آخر ، وهو تقديم أسماء بديلة عن مرشحي الاتحاد الوطني على شرط أن تكون موالية لها وتأتمر بأوامرها .
فالديمقراطي يعلم جيدا بأنه لايستطيع طرح أسماء مرشحيه المذكورين للمنصب ، لأن منافسة مرشحي الاتحاد الوطني على المنصب من شأنها أن تخرب العلاقة بين الحزبين ، ويطيح كذلك بالتوازن القائم في إدارة حكم إقليم كردستان ، ولذلك يبحث في أسماء مرشحين بدلاء عن الاتحاد الوطني لكي يضمن لنفسه موطيء قدم في الحكومة الاتحادية القادمة ، بمعنى أنه مادام عاجزا عن التقدم بأسماء مرشحيه ، فعلى الأقل يمكنه أن يفرض من يتوافق مع خططه أو يدين بالولاء لهذا الحزب من قيادات الاتحاد الوطني أو حتى خارجه ، ويرد إسم برهم صالح رئيس حزب التحالف الديمقراطي المنشق عن الاتحاد الوطني لشغل المنصب . ومن هنا يسعى صالح الى العودة لصفوف الاتحاد الوطني لكي يضمن تأييده أيضا الى جانب تأييد الديمقراطي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو « هل برهم صالح مؤهل لشغل هذا المنصب الذي يتصارع عليه منذ فترة طويلة حتى في ظل وجود الرئيس طالباني على الساحة حين كان مريضا وطريح الفراش ؟.
فيما يتعلق بموقع برهم صالح داخل الاتحاد الوطني وإمكانية ترشحه ممثلا عن هذا الحزب ، هناك العديد من الحقائق التي يجب أن لا نغفل عنها وهي:
1- كان برهم صالح يحتل موقعا قيادايا بارزا في صفوف الاتحاد الوطني ، وشغل موقعا حساسا في القيادة من خلال تعيينه بتزكية طالباني نائبا له في زعامة الحزب ، لكن برهم مع مرض طالباني حاول السيطرة على الحزب ، فأسس بعد فترة قصيرة من مرض أمينه العام ما عرف بـ» مركز القرار « داخل قيادة الحزب في محاولة منه لجر البساط من تحت أقدام عائلة طالباني والإطاحة بنفوذها ، وكانت هذه ضربة موجعة لجسد الاتحاد الوطني مازال يعاني من تبعاتها الى اليوم.
2- قدم برهم صالح إستقالته الرسمية من الحزب في محاولة منه لشق صفوف الاتحاد الوطني .
3- أسس قبل عدة أشهر كيانه السياسي المعروف بالتحالف من أجل الديمقراطية وخاض به الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، ومارس شتى أساليب الدعاية المضادة لإسقاط الاتحاد الوطني ولكنه في المحصلة خسر المنافسة ، وإستعاد الاتحاد الوطني موقعه المتميز على الخارطة السياسية العراقية.
4- يحاول برهم صالح منذ إنتهاء الانتخابات الأخيرة لمجلس النواب العراقي أن يتزعم جبهة المعارضة المحلية المتمثله بحزبه وحركة التغيير والاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية ، وهذه أحزاب فشلت في تحقيق فوز مهم في الانتخابات الأخيرة ، ويسعى أن يروج لنفسه كقائد بديل عن الراحل نوشيروان مصطفى لقيادة هذه الجبهة ، ويستغل المواقف المعارضة لهذه الجبهة من الحزبين الاتحاد والديمقراطي من أجل تسويق نفسه مرشحا للجبهة في منافسات السباق الرئاسي القادم بالعراق.
5- لقد فشل برهم صالح وكيانه السياسي في انتخابات مجلس النواب العراقي ولم يحصل سوى على مقعدين ، واحد في أربيل وآخر في السليمانية ، وهذا دليل على نفور الشعب الكردي منه ومن كيانه السياسي ، وعليه لايمكن بأي حال من الأحوال أن يدعي بأنه يمثل المكون الكردي لشغل هذا المنصب الكبير . والأهم من ذلك ، أنه قانونيا وعرفيا أيضا لايمكن قبول ترشح شخص لم يستطع أن يقنع شعبه ليكون ممثلا عنهم ، ولا أدري كيف يقبل أعضاء مجلس النواب تنصيب رئيس لايمثل إلا نفسه ، وهل يستقيم ذلك مع التوافقات التي تقوم على أساسها العملية السياسية في العراق ؟.
دعونا نتتظر ما ستسفر عنه المناقشات والصفقات السياسية بين القوى العراقية في الأيام المقبلة ، وهل أن المنصب من حصة المكون الكردي سيذهب الى من يستحقه، أم أن الأمر سيجري عكس ذلك لتتخرب أوضاع كردستان والعراق أكثر مما هي عليه اليوم ..