علي زياد العلي*
في بداية عام 2016 أعلنت كندا -على لسان رئيس وزرائها جاستن ترودو- استراتيجية أطلقت عليها (استراتيجية الشرق الأوسط)، تمحورت حول سبل تعزيز المصالح الكندية في المنطقة بنحو عام، وفي العراق بنحو خاص، حيث ركزت كندا في استراتيجيتها هذه على الجانب الأمني والإنمائي، كسبيل لتعزيز أمنها ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة، حيث ستنفق أكثر من ملياريدولار على الأمن والاستقرار والمساعدة الإنسانية والإنمائية، تدعم كندا جهود الحكومة العراقية لاستعادة الاستقرار، وتهدئة الانقسامات المجتمعية، وبناء حكم فعال وشامل، وتحفيز النمو الاقتصادي، فالمشاريع الممولة من الحكومة الكندية في العراق خلال المدة من عام 2016 إلى عام 2019، تراوحت بنحو 240 مليون دولار، التي تشمل 179 مليون دولار من المساعدات الإنسانية، و38 مليون دولار من المساعدات الإنمائية، و24 مليون دولار في دعم الاستقرار والأمن في العراق، فمكانة العراق الاستراتيجية لدى كندا تتضح من التزام الأخيرة بدعم العراق في المجالات الأمنية والاقتصادية والثقافية.
وتأتي هذه الاستراتيجية كسبيل لفسح المجال أمام كندا من أجل التنفد والتفاعل بشكل اوسع في منطقة الشرق الاوسط، كون هذه المنطقة تمثّل الأكثر دينامية بالأحداث الاستراتيجية، وذلك لحجم الثروات النفطية، فضلاً عن أهميتها الأيديولوجية، ونتيجة لتصاعد شدة الصراعات الاستراتيجية في المنطقة، كثفت كندا من اهتماماتها الأمنية في المنطقة عموماً وبالعراق خصوصاً، حيث شاركت في التحالف الدولي ضد داعش، ووسعت مفهوم أمنها القومي ليتداخل مع مكامن الصراع والتنافر الدولي في الشرق الأوسط، ولاسيما ببلوج ظاهرة الإرهاب والمتمثل بظهور تنظيم داعش والتنظيمات الأخرى، التي باتت تمثل تهديداً استراتيجياً للأمن القومي الكندي بسبب التحاق عدد كبير من الكنديين في صفوف هذه التنظيمات، حيث حددت كندا أولوياتها في العراق من خلال هذه الاستراتيجية التي تتمحور حول ما يأتي:
1- قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب:
تعمل كندا من خلال استراتيجيتها هذه إلى تكثيف دعمها العسكري في مجال مكافحة الإرهاب في العراق، حيث عمدت على المشاركة في التحالف الدولي بحملته العسكرية ضد تنظيم داعش من خلال الدعم والإسناد الجوي وأنشطة التزود بالوقود والمراقبة، فضلاً عن دعم الحكومة العرقية بمجال التدرّب والتكتيكات العسكرية، ولاسيما لقوات العمليات الخاصة، حيث تستمر كندا في دعم العراق في عمليات مكافحة الإرهاب من خلال الدعم التكتيكي والاستخباراتي، فضلاً عن تقديم المساعدة في مجال الأمن الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي، حيث تحتفظ بعدد من القوات التكتيكية التدريبية التي يقع فحو عملها حول تدريب قوات الأمني العراقية وعلى وجه الخصوص قوات جهاز مكافحة الإرهاب.
2- قضايا اللاجئين والنازحين:
الاهتمام بقضايا اللاجئين والنازحين من خلال تبويب أدوات هذه الاستراتيجية بما يلبي توجهات كندا في مجالات الإغاثة الإنسانية، وتشديد الاهتمام بالنازحين في العراق بتكثيف الدعم في مجال الرعاية الصحية والتعليمية والغذائية، وتعمل كندا كذلك على دعم العراق في مجال إعادة توطين اللاجئين العراقيين الذين يعيشون في سوريا والأردن ولبنان وتركيا من خلال العمل مع مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، واعتباراً من عام 2016، حيث غادر أكثر من 23000 لاجئ عراقي الشرق الأوسط ليستقروا في كندا.
3- قضايا المنظمات غير الحكومية:
لكندا دور كبير في دعم منظمات حقوق الإنسان وتنشيطها، ولاسيما تلك الخاصّة بتمكين حقوق المرأة، والأقليات الدينية، حيث تعد كندا من أولى الدول التي تدعم المنظمات الإنسانية التي تعمل في مجال دعم الأقليات العراقية، حيث دعمت العديد من المنظمات التي تهتم برعاية الأقليات النازحة التي تأثرت بنحو كبير بدخول داعش إلى منطقها، وما نجم عنها من تداعيات سلبية مست هذه الأقليات.
4- قضايا التنمية والأمن الغذائي:
تدعم كندا مجالات تخص الأمن الغذائي والتنمية الغذائية في بعض المناطق التي عانت تهجيراً وعمليات عسكرية، حيث قدمت مساعدات غذائية كبيرة للنازحين في مخيمات اللجوء. ولها أيضاً نشاطات كبيرة في مجالات تحسين فرص العمل للشباب من خلال دعم المشاريع الصغيرة وتشجيعها وتنمية الخبرات والطاقات الشبابية في مجلات الإبداع الفكري.
وتدعم كندا الممارسات الديمقراطية، حيث لها نشاط واسع في دعم المؤسسات الديمقراطية في العراق من خلال تعضيد عمل مؤسسات الدولة الراعية للنظام الديموقراطي، وإسناد المنظمات غير الحكومية ذات الشأن.
5- قضايا التجارة والإصلاح الاقتصادي:
تدعم كندا عدة منظمات يدور عملها حول دعم الإصلاحات الاقتصادية الحكومية، وتدعم كذلك بعض النشاطات الاقتصادية لدى القطاع الخاص العراقي، وتعمل على زيادة الاستثمار والتجارة الثنائية بين البلدين ولاسيما أنها بدأت تُوسع نشاطاتها الاقتصادية من خلال دعم تسويق بعض منتجاتها في مجال تجارة السيارات والأدوية وقطاع البنى التحتية، ويقدر حجم التبادلي التجاري بين الطرفين حولي 200 مليون دولار.
وتعمل كندا أيضاً على توسيع افاق التعاون بينها وبين العراق في بعض القطاعات الاستراتيجية، التي تتمحور حول الآتي:
1- النفط والغاز:
تطمح كندا بأن تكون شريكاً تجارياً مع العراق في قطاع الطاقة الاستراتيجي، ولاسيما قطاع النفط، حيث يعمل كلٌّ من العراق وكندا على زيادة الصادرات النفطية، وجلب مزيد من الاستثمارات الكندية في قطاع الطاقة بمجال التنقيب والتكرير؛ وبالتالي هناك آفاق مستقبلية تتولد في الأمد القريب تدور حول زيادة نسبة صادرات الطاقة من العراق إلى كندا.
2- البنية التحتية:
تطمح كندا إلى توسع حصتها في مجال الاستثمار وإعمار البنى التحتية الاستراتيجية، حيث تمتلك مؤهلات تجعلها في طليعة الدول التي لها حظوظ كبيرة في إعادة إعمار البنى التحتية العراقية، ولاسيما في المناطق المتضررة من العمليات العسكرية ضد داعش.
3- التعليم والابتعاث الأكاديمي:
تعد كندا دولة ذات قيمة علمية كبيرة نظراً لوجود عدد كبير من المؤسسات والمعاهد والجامعات الأكاديمية العريقة فيها؛ وبالتالي يطمح الطرفان نحو تعزيز العلاقات الأكاديمية والعمل على تنفيذ برامج توأمة الجامعات العراقية – الكندية، فضلاً عن زيادة عدد الطلبة العراقيين المبتعثين لها.
4- البنوك والتمويل:
تعدُّ كندا أن العراقَ بمنزلة شريك استراتيجي للتنمية في المنطقة، حيث تساعد في الصندوق الانتقالي للشرق الأوسط التابع لشراكة دوفيل، الذي يديره البنك الدولي، وتطمح إلى زيادة التعاون في الاستثمارات المالية في العراق، حيث تتطلع إلى زيادة مشاركتها في مجال تمويل مشاريع البنى التحتية العراقية، وتعمل على توسيع آفاق التعاون المالي من خلال وضع استراتيجية مالية يقع على عاتقها توسيع الانتشار المصرفي في العراق؛ وبالتالي لدى الطرفين فرصة لتوسيع التعاون المالي والمصرفي كونه يمثل مكسباً استراتيجياً للطرفين، ويجدر الإشارة إلى أن الحكومة الكندية أعلنت مسبقاً عن مباشرتها بإجراءات تنفيذ قرار منح العراق قرضاً بمقدار 200 مليون دولار، وتخصيص مساعدات إنسانية لترسيخ الاستقرار بقيمة 400 مليون دولار، وذلك ضمن المساعي الدولية لتثبيت الاستقرار في البلاد.
وأخيراً، يمكن القول إن العراق يحتل مكانة كبيرة في استراتيجية الشرق الأوسط الكندية ولاسيما بعد صعود موجة الإرهاب والمتمثل بظهور تنظيم داعش وما خلفه من تداعيات استراتيجية مست الأمن الإقليمي والعالمي، لذا فعّلت كندا دورها في العراق في المجال الأمني والإنمائي، حيث يطمح الطرفان برفع مستوى التعاون ليصل إلى المستوى الاستراتيجي الشامل، فيحتاج العراق إلى توسيع المشاركة الكندية في مجال إعادة إعمار البنى التحتية والأمنية، والاستثمارات المالية.
* مركز البيان للدراسات والتخطيط