جوزيف ناي
مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق
لقد أثارت سلسلة من الأحداث في السنوات الأخيرة – بما في ذلك تدخلات روسيا الالكترونية في الولايات المتحدة لصالح انتخاب دونالد ترامب رئيساً عام 2016. والهجمات الالكترونية المجهولة التي عطلت شبكة كهرباء أوكرانيا في عام 2015، وفيروس «ستكسنت» الذي دمر ألف من أجهزة الطرد المركزي الإيرانية – كلها أثارت قلقاً متزايدًا بشأن الصراع في الفضاء الإلكتروني. في مؤتمر الأمن في ميونيخ الشهر الماضي، أعلن وزير الخارجية الهولندي بيرت كوندرز تشكيل لجنة عالمية غير حكومية جديدة من أجل استقرار الفضاء الافتراضي لتدعيم مجموعة الأمم المتحدة للخبراء الحكوميين (GGE).
وساعدت تقارير فريق الخبراء الحكوميين التابع للأمم المتحدة في عام 2010، 2013و، و 2015 على وضع جدول أعمال المفاوضات حول الأمن الالكتروني، وآخرها تحديد مجموعة من المعايير التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن على الرغم من هذا النجاح الأولي، فصلاحيات فريق الخبراء الحكوميين محدودة. المشاركون هم من الناحية الفنية مستشارو الأمين العام للأمم المتحدة وليسو مفاوضين وطنيين يتمتعون بكامل السلطة. وعلى الرغم من أن عدد المشاركين قد ارتفع من 15 إلى 25، فإن معظم البلدان لا تملك صوتاً.
لكن هناك سؤال أكبر يُطرح على فريق الخبراء الحكوميين: هل يمكن للقوانين أن تحد حقاً من سلوك الدولة؟
يتفق معظم الخبراء على أن معاهدة الفضاء الإلكتروني العالمية حالياً ستكون مستحيلة من الناحية السياسية (على الرغم من تقديم روسيا والصين هذه المقترحات في الأمم المتحدة). لكن ما عدا المعاهدات الرسمية، تشمل القيود التنظيمية على الدول أيضا مدونات سلوك وممارسات الدولة التقليدية، وتوقعات مشتركة على نطاق واسع من السلوك السليم بين مجموعة (الذي خلق القانون العام). في هذا النطاق، يمكن لهذه القيود أن تختلف على المستوى العالمي، والمتعدد الأطراف، والثنائي. بماذا يمكن أن يفيدنا التاريخ بخصوص فعالية أدوات السياسة المعيارية؟
في العقد ما بعد هيروشيما، كانت تعد الأسلحة النووية التكتيكية على نطاق واسع سلاحا «طبيعيا»، وقد دمج الجيش الأميركي المدفعية النووية والألغام الأرضية الذرية، والأسلحة المضادة للطائرات النووية في القوات المنتشرة. في عام 1954 و 1955، اقترح رئيس هيئة الأركان المشتركة للرئيس دوايت أيزنهاور أن دفاع ديان بيان فو في فيتنام والجزر بالقرب من تايوان يتطلب استعمال الأسلحة النووية (لكن رفض إيزنهاور النصيحة).
مع مرور الزمن، تم وضع قانون رسمي لعدم استعمال الأسلحة النووية الذي غير تلك الحقيقة. وقال الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل توماس شيلينغ إن تطوير قانون عدم استعمال الأسلحة النووية اسهم في الحد من التسلح على مدى السنوات 70 الماضية، وكان له تأثير مُثبط على صناع القرار. لكن بالنسبة للدول النووية الجديدة مثل كوريا الشمالية، لا يمكن للمرء أن يكون على يقين من أن تكاليف انتهاك المحرمات سوف ينظر إليها على أنها تفوق كل الفوائد.
وبالمثل، فإن تحريم استعمال الغازات السامة في الحروب تم بعد الحرب العالمية الأولى، ويحظر بروتوكول جنيف لعام 1925 استعمال الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وهناك معاهدتان في عام 1970 تحظران إنتاج وتخزين هذه الأسلحة، وثمن استعمالها وامتلاكها مكلف للغاية.
وتبقى أحكام التحقق من وجود أو استعمال الأسلحة البيولوجية ضعيفة (مجرد تقديم التقارير إلى مجلس الأمن للأمم المتحدة)، ومثل هذه المحرمات لم تمنع الاتحاد السوفيتي من الاستمرار في امتلاك وتطوير الأسلحة البيولوجية في عام 1970. وبالمثل، فإن اتفاقية الأسلحة الكيميائية لم توقف صدام حسين أو بشار الأسد من استعمال الأسلحة الكيميائية ضد مواطنيهم.
ومع ذلك، فقد غيرت كلا المعاهدتين كيف يتصور الآخرون مثل هذه الأعمال. واسهمت هذه التصورات في تبرير غزو العراق في عام 2003 وإلى التفكيك الدولي لمعظم الأسلحة السورية في عام 2014. مع 173 دولة التي صدقت على اتفاقية الأسلحة البيولوجية، فاٍن الدول التي ترغب في تطوير مثل هذه الأسلحة يجب أن تفعل ذلك سراً، وتواجه إدانة دولية واسعة إذا كانت هناك دلائل على أنشطتها.
قد تصبح الطابوهات المعيارية أيضا ذات صلة بمجال الإنترنت، على الرغم من أن الفرق بين استعماله كسلاح أو غير ذلك يعتمد على النوايا، وسيكون من الصعب منع – ومن المستحيل حظرها بنحو موثوق – التصميم وحيازة، أو حتى زرع بعض برامج التجسس في الكمبيوتر. وبهذا المعنى، لا يمكن للجهود المبذولة لمنع حرب الانترنت أن تكون مثل مراقبة الأسلحة النووية التي وضعت خلال الحرب الباردة، التي كانت تتضمن معاهدات متقنة ونظم تحقيق تفصيلية.
هناك نهج أكثر فعالية لوضع ضوابط معيارية على الحرب الإلكترونية بهدف منع ليس الأسلحة، ولكن أهدافها. وقد دافعت الولايات المتحدة على فكرة تطبيق قانون النزاعات المسلحة (LOAC)، الذي يحظر الهجمات المتعمدة على المدنيين، في الفضاء الإلكتروني. ووفقا لذلك، اقترحت الولايات المتحدة أنه بدلا من الالتزام «بعدم البدء باستعمال» الأسلحة الالكترونية، ينبغي على البلدان أن تتعهد بعدم استعمال الأسلحة الالكترونية ضد منشآت مدنية في زمن السلم.
وقد تم اعتماد هذه المقاربة للمعايير من قبل فريق الخبراء الحكوميين. وسوف يدعم تدابير بناء الثقة مثل منح المساعدة للطب الشرعي وعدم التدخل في عمل فرق الاستجابة لحوادث أمن الحاسب الآلي (CSIRTs).
كما ركز تقرير فريق الخبراء الحكوميين لدى الأمم المتحدة في يوليو / تموز 2015 على كبح الهجمات على أهداف مدنية معينة، بدلا من تحريم كود معين. في قمة سبتمبر / أيلول 2015 بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الصيني شي جين بينغ، اتفق الزعيمان على تشكيل لجنة من الخبراء لدراسة اقتراح فريق الخبراء الحكوميين. وفي وقت لاحق، تم التصديق على تقرير فريق الخبراء الحكوميين من قبل قادة المجموعة 20، وبالاستشارة مع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لكن وقع الهجوم على نظام الطاقة الأوكراني في ديسمبر /كانون الأول عام 2015، بعد وقت قصير من تقديم تقرير فريق الخبراء الحكوميين، وفي عام 2016، لم تتعامل روسيا مع العملية الانتخابية للولايات المتحدة كبنية تحتية مدنية محمية. وما يزال وضع ضوابط معيارية على الأسلحة الالكترونية عملية غير مكتملة وبطيئة لحد الآن.
مقاربة معيارية لمنع الحرب الالكترونية
التعليقات مغلقة