فيما كانت الشمس تقترب من غروبها بعد نهار مشمس جميل كنا نحن مجموعة من الاعلاميين والأكادميين العراقيين نتجه إلى غرب مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار بنحو 40 كيلو متراً متجهين الى زقورة أور التاريخية تلبية لدعوة من السيد رئيس مجلس محافظة ذي قار الشاب حميد الغزي الذي كان يرافقنا ايضا في تلك الرحلة التاريخية إلى متحف التاريخ العالمي – كما يحلو لخبراء الاثار الغربيين تسمية آثارنا في الجنوب –
وصلنا إلى المتحف (الزقورة) في لحظات الغروب الاولى .. وقد تحركنا سريعاً بالتوجه صوبها لاستثمار آخر ما جادت به الشمس من ضوء، فبعد لحظات سيحل الظلام ولن يكون بإمكاننا رؤية الاشياء هناك ، وهذا الذي حدث فعلا ، ما اضطرنا إلى الاستعانة بـ( فلاشات) الهواتف النقالة لنتلمس طريقنا لاسيما عند النزول من أعلى الزقورة أو للتمعن في بعض القطع الآثارية التي كان يحدثنا عن تاريخها الضارب في اعماق الكون الخبير الاثاري عامر عبد الرزاق ، وهذا امر مستغرب حقاً ان يكون معلماً تاريخياً بحجم زقورة اور تكتنفه الظلمة في وقت نحن نتحدث عن اهمية السياحة وضرورة الاهتمام بها لتكون رافداً اقتصادياً مهماً ، والأمر لا يقتصر على زقورة اور في الناصرية ، انما حتى بقية المعالم الاثارية سواء تلك الواقعة في محافظة ذي قار او في المحافظات الاخرى.
المهم ان الصورة التي رسمها لنا الخبير عبد الرزاق كانت ذات وجهين: الاول كان مشرقاً ، فعندما تسمع ان السياح الاجانب الذين يحجون إلى اور يخلعون احذيتهم حين تطأ اقدامهم ارض اور لأنها تعد مقدسة ففيها أنشيء اول معبد قبل اكثر من 4 آلاف سنة (الزقورة) لعبادة كبير الهة اور المعروف باسم (سن) وفيها مقام إبراهيم الخليل ‘ فهذا امر يبعث على الفخر والسرور ..
أما الجانب الاخر من الصورة فهو الجانب السلبي ، فهل من المعقول ان معلماً تاريخياً اثارياً كبيراً مثل زقورة اور الشهيرة مازال خارج لائحة التراث العالمي بسبب عدم إيلائها الاهتمام الكافي ، فإدراجها في اللائحة يمثل تشريفًا لليونسكو وليس العكس ، وهذا الكلام ينسحب على جميع مواقعنا الاثارية ، اذا ما علمنا ان لدينا عشرات الالاف من المواقع الاثارية القليل منها مكتشف نسبته لا تتجاوز الـ(5%) . وبعض المكتشف لا يمكن الوصول اليه لعدم وجود طريق مناسب مثل اريدو ، وبعضها الاخر لم يستثمر وبما يتلاءم واهميته السياحية والاقتصادية مثل بحيرة ساوة العجيبة وقسم ثالث عاث به الدواعش تدميراً وتنكيلا لاسيما آثار نينوى
لنا ان نتصور واقعنا الاقتصادي ونحن نستقبل ملايين السائحين من شتى بقاع العالم يحجون إلى مواقعنا الاثارية ، ولكن كيف يمكننا تحقيق ذلك ؟ .. نحن نحتاج إلى مشاريع سياحية تتضمن جميع انواع الخدمات المطلوبة ، وإنشاء متاحف يتم تشييدها في المواقع الاثارية ، يرافق ذلك حملات اعلامية واسعة .. فليس من المعقول ان تحمل بلادنا لقب متحف التراث العالمي ، وآثارنا تعاني من كل هذا الاهمال والضياع هناك اكثر من 126 دولة في العالم يعتمد اقتصادها على السياحة وهي لا تمتلك سوى النزر اليسير بالموازنة مع ما نملكه نحن .. انها دعوة للنهوض بواقع اثارنا المتردي .
عبد الزهرة محمد الهنداوي
زيارة إلى متحف الآثار العالمي
التعليقات مغلقة