علي صابر محمد*
قبل أحداث الموصل وتهاوي الوضع الأمني فيها كانت الكتل السياسية قاب قوسين او أدنى من حالة المخاض لولادة الكتلة الأكبر التي يحق لها دخول البرلمان وانتزاع منصب رئاسة مجلس الوزراء وتوزعت الكتل بين راغب ورافض للولاية الثالثة لرئاسة مجلس الوزراء وما حصل من انكسارات في صفوف القوات المسلحة في المحافظة اثر الهجمة الشرسة لأعداء العراق وتحقيق المسلحين من داعش والمتحالفين معه بعض النجاحات على الارض أختلطت الاوراق وتعقد الموقف وستتغير مواقف الكتل على وفق المستجدات على الساحة فمن جانب سيطر الاخوة الكرد على جميع الاراضي المتنازع عليها والتي كفل الدستور بآليات محددة لحلها ضمن المادة 140 الخاصة بهذه الاراضي بما فيها كركوك الغنية بالنفط صاحب ذلك تصريحات غير موفقة بعدم الانسحاب منها ومن جانب آخر فان المناطق الساخنة من محافظات صلاح الدين وديالى والانبار وبابل قد خرجت نسبيا من سيطرة المركز وسكان هذه المناطق وبما يشعرون به من معاناة والاحساس بالقهر الاجتماعي نتيجة السلوكيات الخاطئة لأجهزة الدولة تجاههم وبما لديهم من تقاطعات مع الحكومة الاتحادية فان مواقفهم متأرجحة بين دعم هذا الانسلاخ من سطوة المركز والتخلص من ضغوطاته وبين رفضهم لممارسات وأجندات داعش وأفكاره الظلامية ،
ومجمل تطورات الاحداث وميزان القوى على الارض فان طرح موضوع الاقليم السني بدأ يروج له ويلقى قبولا من لدن الكثيرين من السياسيين سواء من التحالف الكردستاني او ممثلي المكون العربي السني وهذا ينسجم مع مشروع جو بايدن الذي طرحه قبل عقد من الزمن لمستقبل العراق وفي أكثر من لقاء تلفزيوني يوافق بعض الساسة من المكون الشيعي على فكرة التقسيم اذا كان حلا لمشكلات البلد وما لم يتحقق بالحوارفي حينها يتحقق اليوم بنزيف الدم ونعتقد انها الفرصة التأريخية لتحديد العلاقة الاستراتيجية بين المكون الشيعي والمكون السني وبما يحقق المزيد من اللامركزية في ادارة الدولة .
ومن الجانب الآخر فان التحالف الوطني بدأ يدرك بأن ما آلت اليه الامور من تدهورللوضع الامني وانهيار المنظومة العسكرية للدولة سببه يعود لسوء ادارة الدولة وفشلهم في استيعاب شركاء العملية السياسية برغم قناعة كل الاطراف بوجود التدخلات الخارجية والتمويل الضخم للمنظمات الارهابية لأسقاط العملية السياسية في العراق وكل متابع يعرف بأن بعض أطراف العملية السياسية هم الغطاء السياسي للمسلحين بعلم او من دون علم ، ويبدو أن التململ بدأ في داخل التحالف الوطني والحراك الواضح لوضع معايير وأسس أختيار من يترشح لرئاسة مجلس الوزراء ومن تلك المعايير ان يحظى بالقبول والاجماع الوطني ، فاذا كانت النوايا تتجه نحو انقاذ الوطن وبناء الثقة بين المكونات للعيش المشترك يجب التعامل مع ممثلي المكونات باسلوب الاحتضان والاحتواء و الابتعاد عن الاقصاء او القهر تحت ذريعة الاغلبية السياسية أو المكوناتية ، وان منح المزيد من الصلاحيات للمناطق الساخنة وبأي عنوان كان سيهدئ التوترات ويزيل الاحتقانات.
ان الصدمة الكبيرة التي تعرضت لها العملية السياسية بأحداث الموصل تتطلب اعادة النظر بكل آليات العمل السياسي المعتمدة حالياً ومراجعة طبيعة العلاقات بين القوى السياسية ووضع مصلحة العراق فوق كل شيء ويتطلب الامر انفتاح الكتل بعضها على بعض بشكل جدي يهدف الى تعبيد الطريق لتوحيد الخطاب و احداث تغيير حقيقي بمنظومة العمل السياسي فالعراق أكبر من أية جهة وعلى الفرقاء بلا أستثناء التنازل فيما بينهم وعدم التزمت بالمواقف وان الاصرار على المواقف الجامدة لن يجلب الا المزيد من سفك الدماء ويتحمل أصحابها المسؤولية التأريخية في انحدار البلد الى الهاوية ، وثبت بما لا يقبل الشك بأن منهج المحاصصة الطائفية والاثنية الذي ساد وسارت عليه الطبقة الحاكمة في الدورتين السابقتين للبرلمان كانت التجربة المرة التي دفع العراقون ثمنا باهظا عنها وان طريق الخلاص من هذا المستنقع الآسن هو العبور الى اعتماد الكفاءة ومنح التكنوقراط الفرصة لأدارة مفاصل الدولة كل في مجال اختصاصه ،
كذلك أثبتت التجربة بأن الحل العسكري الذي تلوح به القيادات السياسية لن يوصلنا الى الاستقرار بل الى المزيد من التعقيد ما لم يرافقه الحل السياسي ، والثابت للعيان بأن القوات العراقية عاجزة عن حسم المعارك وما حصل في الفلوجة أكبر دليل على ما نذهب اليه بحكم البنية الهشة لتركيب القوات المسلحة وقلة الاسلحة المتطورة والطائرات فان دحر الغزاة لن يكون سهلا يصاحب ذلك تصريح البيت الابيض بأن التدخل الاميريكي لمساعدة العراق مرهون باقدام القيادة العراقية على اتخاذ خطوات عملية في اتجاه تقاسم السلطة بشكل جدي بين الشركاء السياسيين واشراك جميع المكونات في تشكيل الحكومة الجديدة ومنح الاقليات فرصة المشاركة الفاعلة في القرارات السياسية والامنية ، لذا فان اصلاح العملية السياسية بات من الامور الملحة وعلى الكتل السياسية المتنفذة الرضوخ للأمر الواقع والاستسلام للمتغيرات وعدم التعنت في المواقف لأن ذلك سيفقدهم جمهورهم وستنهال عليهم لعنة المجتمع والتأريخ.
في الفتوى الصادرة من المرجعية الدينية التي كانت بحق أسمى من مواقف كل السياسيين وامتد صداها الى كل أرجاء المعمورة وتمكنت من توحيد الصف الوطني وأعادت للدولة هيبتها ، وبرغم محاولات البعض من اعداء العراق والمنحرفين الباسها ثوب الطائفية الا أنها وبوضوح مثلت الحكمة والعقلانية والشجاعة في مواجهة الانهيار الذي أكتسح قلوب الرجال وأعادت لهم الثقة بأنفسهم وأستعادوا المبادرة في مواجهة الخطر ، وجمعت حولها كل أطياف المجتمع بل أكثر من ذلك رفضت أي سلاح خارج القوات المسلحة وبذلك حافظت على وطنيتها وحرصها على مصالح الشعب بجميع ألوانه ، والمطلوب من الكتل السياسية التي وصلت الى البرلمان من خلال صناديق الاقتراع أن يرتقوا الى مستوى الفتوى في تحملهم المسؤولية وتجميع الطاقات لطرد الغزاة وحماية مستقبل الوطن ، وتقديم مصلحة العراق على مصالحهم الذاتية والفئوية.
*كاتب عراقي