علي حسن الفواز
لطالما تحدث الكثيرون عن الملف الثقافي، بوصفه ملف أزمة، أو بوصفه ملفاً للطوارئ، لكن ثمة من يقف بالضد من ذلك، باعتبار أن الثقافة وملفاتها ستكون دائماً جزءاً من صناعة السلطة، ولاتوجد سلطة عربية تقبل بوجود ثقافة خارج أحكامها أو سطوتها أو فقهها..
هذا المعطى يضعنا أمام رعب الحديث عن الثقافة المستقلة، وعن مدنية المؤسسة الثقافية وحريتها، اذ بات الأمر ملتبساً وسط حروب ومهيمنات طاردة، ومواقف اقصائية، ووسط أوهام مركزية لاتؤمن بوجود المختلف والآخر، ولا تطمئن لأي شكل من الصناعات المضادة للصناعات البدائية التي تعوّد على ممارستها العقل السلطوي والعقل المركزي.. فهل يمكن القول ان الاعتراف بوجود صناعة ثقافية سيكون بداية الاعتراف بأهمية الملف الثقافي؟ وهل ان وجود هذه الصناعة يعني ضرورة وجود التكنوقراط الثقافي؟
هذه الأسئلة وغيرها تبدو مهمة مع بداية زمن سياسي عراقي جديد، مثلما تبدو ضرورية لإمكانية وضع الملف الثقافي على طاولة الكابينة الحكومية، وامكانية اخراجها من المحاصصة ومن الشرعة الطائفية، لاسيما وان الثقافة هي صناعة عميقة للوجدان والوجود وللوعي الوطني..
فهل يمكن للمثقف أن يعيد ترتيب أوراقه في ضوء هذه الطموحات؟ وهل يمكن أن نفكر بجدية بشأن امكانية انتاج بنيات ثقافية لها خصائص البنيات التحتية كما يسميها الاقتصاديون، تلك التي تملك استشرافاً لرسم خارطة طريق للفاعلية الثقافية، باتجاه وجودها ضمن مستويات متقدمة للتنمية الثقافية التي تعزز دور الثقافة والمثقف، والتي يمكنها أيضاً الإسهام في تأمين رأس مال ثقافي وقاعدة لتراكم الاقتصاد الثقافي الذي يمكنه حماية (حصون) العقل الثقافي من أي انقلاب عسكري أو سياسي أو ايديولوجي قد يرميه الى النهر أو الى المزبلة؟
هذه الأسئلة المضافة والمكررة أحياناً، ستكون أمام الجميع، بعيداً عن تحولها الى فوبيا ضاغطة، والى ايهام بخطورة لإشاعة الانقلاب الثقافي، برغم أن تاريخنا الثقافي(الوطني) للأسف حافل بالانقلابيين أكثر من صنايعية الوعي، وعامر بالاستبداديين أكثر من مروجي الحرية.. ماورثناه منذ أكثر من خمسين عاماً من العسكر وصناع الحرب والايديولوجيا، والانتحاريين والتكفيريين وضعنا أمام رعب خطير لفوبيا الثقافة بوصفها صناعة للوعي المضاد، أو بوصفها صناعة جمالية لترميم الخراب، ولإعادة تأهيل الذائقة لكي تقرأ وتكشف وتكون أكثر شغفاً بالسؤال الانطولوجي…
كراهية الثقافة تحول للأسف الى سلوك عنفي من قبل الكثير من الحكام والمسؤولين، حدّ ان البعض بدا وكأنه يعيد صورة غوبلز النازي في التعاطي مع صورة المثقف والثقافة، وهذه الكراهية عطلت الكثير من برامج العمران الثقافي، اذ أن الذين يكرهون الثقافة والمثقفين، يتحسسون من أي عمل لشرعنة أي معطي عقلاني أو تأسيسي للصناعة الثقافية، تلك التي قد تسهم في انماء العقل، وفي تحسين شروطه في التعاطي مع قيم الحرية والمواطنة والجمال والفكر والدولة والحداثة.